قوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أمانتكم وأنتم تعلمون} نزلت هذه الآية في أبي لبابة بن عبد المنذر الأنصاري حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة لينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشاروه في ذلك فأشار عليهم بذلك وأشار بيده إلى حلقه أي أنه الذبح .ثم فطن أبو لبابة ورأى أنه قد خان الله ورسوله فحلف لا يذوق ذواقا حتى يموت أو يتوب الله عليه .وانطلق إلى مسجد المدينة فربط نفسه في سارية منه فمكث كذلك تسعة أيام حتى كاد يخر مغشيا عليه من الجهد ،حتى أنزل الله توبته على رسوله فجاء الناس يبشرونه بتوبة الله عليه وأردوا أن يحلوه من السارية فحلف لا يحله منها إلا رسوله الله صلى الله عليه وسلم بيده: فخله .فقال يا رسول الله: إني كنت نذرت أن أنخلع من مالي صدقة .فقال: ( يجزيك الثلث أن تصدق به ){[1648]} .
على أن الأمانة تعم كل وجوه الواجبات وما يناط بالمؤمن أن يفعله سواء في ذلك الصلاة والزكاة والصيام وغير ذلك من ضروب الطاعات والعبادات ،قال ابن عباس في الأمانة: هي ما يخفى عن أعين الناس من فرائض الله والأعمال التي ائتمن عليها العباد .وذلك يتضمن بعمومه كل ما لزم الإنسان أداؤه ،من صون لمال ،وأداء لدين ،وبذل لزكاة ،ورعاية لوطن ،ورعي لزوجة وولد ،وإنجاز لوجيبة أو أعمال ،في غير ما غش ولا تهاون ولا انتقاص .كل ذلك أمانات تناط بالمرء كيما يؤديها على خير أداء ويرعاها تمام الرعاية .وإذا لم يكن على هذه الحال من تمام الأداء وكامل الرعاية كان من المفرطين الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم .
قوله:{وأنتم تعلمون} أي تعلمون أنها أمانة ،أو تعلمون أن ما فعلتم من الإشارة إلى الحلق خيانة{[1649]} .