قوله:{وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم} ألف بمعنى جمع .من الألفة وهي الاجتماع والالتئام .تألف فلانا وائتلفه ؛أي استماله .وألف الشيء ؛وصل بعضه ببعض .وألف قلبه ؛أي استماله{[1686]} .
لقد جمع الله بين قلوب العرب بعد أن كانت متنافرة متباغضة .وبعد أن كانوا على العصيبة الجاهلية المقيتة ،المبينة على محض التعصب السخيف ،التعصب للعائلة والعشيرة في كل الأحوال ،سواء في الحق أو الباطل .لقد جمع الله بين الناس في زمن ما كان يشيع فيه غير الحمية الظالمة المجانبة لأبسط بدهيات المنطق أو التفكير السليم ،والتي لا تعبأ بالحق أو الصدق أو العدل أيما إعباء .حتى إذا جاء الإسلام العظيم بعقيدته الكريمة الحليمة السمحة ،وتشريعه الواسع الميسور ،اجتمع الناس ليكونوا أمة واحدة متساندة متعاونة منسجمة تجمعها عقيدة التوحيد الخالص ،ويوحدها الشعور الفياض بالإيمان بالله وبصدق رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم .وهكذا يجمع الله بين الناس عقب تنافرهم وتناحرهم والتجافي بينهم .يجمعهم على العقيدة وحدها دون غيرها من الأسباب .ولن يستطيع أيما أحد أن يؤلف بين قلوب العباد مهما بذل من الأسباب لتحقيق هذا المقصود .وهو قوله:{لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم} أي لو بذلت للتأليف بين قلوب العرب ملء الأرض من المال والذهب والعروض ؛لما جمعت بين قلوبهم بهذا السبب ،ولما استطعت أن تبدد من قلوبهم رواسب المحبة الجاهلية وآثار التعصب الغاشم المنكود .ولا يغرن أحدا ما تتظاهر به الأمم فيما بينها من التئام وانسجام ؛فليس ذلك إلا الظاهر المموه المصطنع القائم على الأثرة المطلقة والتقديس الأكبر للأهواء والشهوات ومختلف المنافع الدنيوية العاجلة .ثم لا يلبث هؤلاء المتظاهرون أن يأتي عليهم الانهيار والدمار ،أو التبدد والزوال ولو بعد حين .
قوله:{ولكن الله ألف بينهم} الله وحده الذي يجمع بين قلوب العباد لتكون متوادة متؤتلفة .وذلك بدينه الأكرم .دين الإسلام الذي جاء ليشيع المودة والرحمة بين الناس ولينشر في القلوب رباط المحبة والتآلف كيما يكون الناس جميعا على قلب رجل واحد فلا يجمعهم غير شعار العقيدة جامع .ولا يؤثر فيهم غير إحساس الإسلام .فلا يستجيبون بعد ذلك لنداءات الضلال والباطل .النداءات الظالمة المريبة التي يهتف بها الضالون المظلون من شياطين البشر .أولئك الذين تنثني صدورهم على الكيد للبشرية ليضلوها ضلالا ،وليودوا بها متاهات الضياع والفساد والخسران .
قوله:{إنه عزيز حكيم} الله قوي لا يقهره شيء ،بل إنه هو الذي يقهر كل أحد .وهو الذي يقهر أعداءه أعداء الدين من المخادعين والخائنين .وهو كذلك حكيم يعلم ما ينبغي أن تكون عليه الأفعال والأحكام والأمور{[1687]} .