{وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} في ما أودعه فيها من عناصر المودة والرحمة والشعور بالمسؤولية الإنسانية الروحية ،على أساس الإيمان النابض بالمحبة والحياة ،حتى تحوّلت كل تلك المجموعات المتنافرة في ذاتها ،المختلفة في طبيعتها ،إلى وحدةٍ روحية إيمانية ،تماماً كما عبر الله عنهم{رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ} [ الفتح:29] وكما قال عنهم رسول الله( ص ): «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى بعضه تداعى سائره بالسهر والحمى » ...وتلك هي الإلفة التي يرعاها الله برعايته ،ويشملها بلطفه ،فإنها تنمو من خلال الينابيع الروحية التي تتفجّر في الفكر والشعور حتى تتحولفي القلب وفي الروحإلى نهرٍ كبير يمتد في حياة المؤمنين جميعاً في نطاق المجتمع المؤمن المتكامل الواحد ...
الله هو المؤلّف بين القلوب
{لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأرضِ جَمِيعاً مَّآ أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} لأن المال لا يستطيع أن ينفذ إلى أعماق الروح وآفاق الشعور ،إلا إذا تحول إلى حالةٍ حميمة ،تحمل في داخلها بعضاً من نبضات الشعور وخفقات العاطفة ،ليتحوّل المال إلى معنًى يتمثل في العطاء ،في البعد الإنساني الذي يحترم في الإنسان إنسانيته ،ويوحي إليه بالمعاني الحلوة المشرقة ،وعند ذلك يفقد العنصر المادي ليتحول إلى عنصرٍ روحيٍّ .أما المال الذي يتحرك في العلاقات كثمن لها ،تماماً كما هي السلع المعروضة في السوق ،فإنه قد يعطي صاحبه موقعاً متقدماً في حركة الواقع ،وقد يحصل على بعض الامتداد في آفاق الربح ،ولكنه لن يستطيع أن يمنحه قلباً وروحاً وحياة ووحدة شعور ،ولذلك لم يستطع المال أن يحقق إنسانية العلاقة بين الأغنياء والفقراء ،أو بين الحاكمين والمحكومين ،ولكن الفكر والإيمان والخير استطاعت أن توحّد القلوب ،وتقارب بين المواقف .{وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} ،لأن بيده أسرار القلوب ،وخفايا النفوس ،وأعماق الأرواح ،يقلِّبها كيف يشاء ويحوِّلها كما يريد .{إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} ،فلا يغلب في عزته ،ولا يُعارض في حكمته ،فمن إرادته تكون الأشياء ،ومن حكمته تأخذ طريقها إلى مواقع الهدى والنجاح .