قوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين} يأمر الله عباده المؤمنين في هذه الآية بقتال من يلي من عدوهم .وذلك لتعذر قتال كل المشركين دفعة واحدة ؛فتجب البداءة بقتال من يلي من المشركين على قتال من بعد منهم ؛أي أن المسلمين يقاتلون الكافرين الأقرب فالأقرب إليهم قربانا مكانيا ؛فيما ينبغي لهم أن يتجاوزا من يلونهم من الكافرين فيفجأهم الأقربون الذين يلونهم فيقضون عليهم ليقتلوا السناء والأطفال والمستضعفين ،وليعيثوا في البلاد فسادا وخرابا .
ولهذا بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال المشركين في جزيرة العرب ،فلما فزغ منهم وفتح الله عليه مكة والمدينة والطائف واليمن وخيبر وغير ذلك من الأقاليم في جزيرة العرب ودخل الناس في دين الله أفوجا ،شرع في قتال أهل الكتاب فتجهز لغزو الروم الذي هم أقرب الناس إلى جزيرة العرب ،وكان ذلك في السنة التاسعة للهجرة .وفي السنة العاشرة عاجلته المنية صلوات الله وسلامه عليه ،فقام بالأمر بعده خليفته الصديق ( رضي الله عنه ) فأركز قواعد الدين وثبته تثبيتا بعد أن كاد ينجفل{[1926]} بمخازي المرتدين والمنافقين .وبعد أن رحل إلى الرفيق الأعلى وتولى من بعده الفاروق العظيم أبو حفص عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) قاتل المشركين الذين يلون المسلمون أولا بأول ،الأقرب فالأقرب .وكذا صنع خلفه من بعده عثمان ( رضي الله عنه ) فقد كان شأنهم جميعا في قتال المشركين أن يقاتلوا الأقرب قبل الأبعد عملا بقوله تعالى:{قاتلوا الذين يلونكم من الكفار} .
قوله:{وليجدوا فيكم غلظة} أي شدة .وهذه كلمة جامعة يراد منها جملة معان: الجراءة ،والعنف ،والإثخان في القتل والصبر عليه ؛لما في ذلك من تخويف للظالمين المعتدين وإثارة الذعر في قلوبهم كيما يتضعضعوا ويولوا الأدبار .
قوله:{وعلموا ان الله مع المتقين} يراد بالمتقين الذين يخشون الله فيبادرون بالطاعة له والإخبات ،ولم يقصدوا من جهادهم وقتالهم مالا ولا شهرة ولا غنيمة ،ولم يبتغوا من ذلك فخرا أو ظهورا وإنما يبتغون بذلك وجه الله ومرضاته ،وإعلاء شأن الإسلام .