قوله تعالى:{وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} .
ذكر أن هذه الآية بيان من الله لمراده من النفير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ؛فقد ذهبت طائفة من السلف إلى أنه كان يجب النفير على كل مسلم إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم .وهذا مقتضى قوله:{انفروا خفافا وثقالا} فنسخ ذلك بهذه الآية{وما كان المؤمنون لينفروا كافة} .
وقيل: المراد انه ما كان المؤمنون لينفروا ويتركوا النبي صلى الله عليه وسلم وحده{فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة} يعني عصبة أو سرايا .فإذا رجعت السرايا وقد انزل الله بعدهم قرآنا تعلمه القاعدون من النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: إن الله قد أنزل على نبيكم قرآنا وقد تعلمناه ،فتمكث السرايا يتعلمون ما أنزل الله على نبيهم من بعدهم ويبعث سرايا أخرى وهو معنى قوله:{ليتفقهوا في الدين} أي ليتعلموا ما انزل الله على نبيهم ،وليعلموا السرايا إذا رجعت إليهم ؛فالآية هذه في البعوث والسرايا إذا لم يخرج الرسول عليه الصلاة والسلام بنفسه .فإذا لم يخرج وجب أن لا ينفر الناس كافة فيبقى النبي وحده .وإنما ينبغي أن تنفر طائفة وتبقى طائفة لتتفقه هذه الطائفة في الدين وتنذر النافرون إذا رجعوا إليهم{[1924]} .
على أن المستفاد من عموم هذه الآية أن لا ينفر المسلمون جميعا للقاء العدو ولا لطلب العلم ؛فكلا الغرضين هام وعظيم ومفروض ،فلقاء العدو في نفير زاحف مستعد غاية الاستعداد لتدمير الظلم والظالمين ،وصد الأشرار والمتربصين ودفع أذاهم عن المسلمين –لا محالة واجب .وإلا بات المسلمون عرضة للتدمير والاصطلام من عدوهم المتربص الماكر .ومن جهة الأخرى: فإن الخروج للتعلم والتزود بزاد العلم واجب كذلك إلى غير ذلك من جوه الأعمال والمشاغل والمصالح التي يحتاجا المسلمون .كالاضطلاع بوجائب الزراعة والصحة والتعمير .وبذلك يقتسم المسلمون أعمالهم وواجباتهم ليناط بكل واحد منهم من العمل ما يناسبه فيؤديه أتم أداء .
قوله:{فلولا نفر} لولا تحضيضه ،والمراد به الأمر .
قوله:{لعلهم يحذرون} لكي يحذروا الله تعالى فيخشوا عقابه ،ويعلموا لمرضاته ،ويجتنبوا نواهيه ومخالفة أمره{[1925]} .