{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ 122}
المفردات:
لينفروا كافة: ليخرجوا للجهاد ونحوه جميعا .
فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة: فهلا خرج من كل جماعة كثيرة منهم ،جماعة قليلة .
ولينذروا قومهم: وليحذروهم من المخاوف والعواقب السيئة لعصيان الله وعدم التدبر في الأمور .
التفسير:
122{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً ...} الآية .
سبب النزول:
أخرج ابن أبي حاتم: عن عبد الله بن عبيد الله بن عمير قال: كان المؤمنون لحرصهم على الجهاد إذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية خرجوا فيها ،وتركوا النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة في رقة158 من الناس ؛فنزلت هذه الآية .
وقال بن عباس: هذه الآية مخصوص بالسرايا ،والتي قبلها بالنهي عن تخلف واحد ،فيما إذا خرج النبي صلى الله عليه وسلم .
المعنى: ما كان من شأن المؤمنين أن ينفروا جميعا للجهاد ويتركوا النبي صلى الله عليه وسلم وحده ؛فهلا نفر من كل جماعةكالقبيلة أو البلدطائفة قليلة منهم ؛للتفقه في الدين ،ومعرفة أحكام الشريعة وأسرارها ،حتى إذا ما رجع المجاهدون من المعركة ،أرشدوهم إلى مناهج الهدى ومسالك العزة ،ومعرفة أحكام الدين ،وخوفوهم من عصيان الله ،أو تجاوز أحكامه ،لكي يحذروا ما يضرهم في دنياهم وأخراهم ،ويقبلوا على ما ينفعهم ويعلى قدرهم .
من أحكام الآية:
1 الجهاد فرض عين إذا دعا النبي صلى الله عليه وسلم إليه .
2الجهاد في غير ذلك فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين .
3قال مجاهد وابن زيد: هذه الآية ناسخة لما قبلها ،والأصح أنها مبينة لا ناسخة ،وكل من ( من ) المفيدة للتبعيض ،والفرقة ( الجماعة الكثيرة ) ،والطائفة ( الجماعة الأقل ) ؛يفيد كون الجهاد وطلب العلم موجها للبعض .
4وجوب طلب العلم ،والتفقه في القرآن والسنة ،وهو فرض على الكفاية ،لا على الأعيان ؛بدليل قوله تعالى:{فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} .( النحل: 43 ) .
5يجب أن يكون المقصود من التفقه والتعلم دعوة الخلق إلى الحق ،وإرشادهم إلى الدين القويم والصراط المستقيم .
6طلب العلم فضيلة عظيمة ومرتبة شريفة لا يوازيها عمل ؛لما رواه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من يرد الله به خيرا ؛يفقهه في الدين ) . 159
وروى الترمذي عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة ،وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع ،وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض ،والحيتان في جوف الماء ،وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ،وإن العلماء ورثة الأنبياء ،وإن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا وإنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر )160