قوله تعالى:{لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون} .
كانت جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد استأذنوه في التخلف عنه حين خرج إلى تبوك فأذن لهم .وفي ذلك يقول سبحانه كاشفا عما يختلج في قلوب هؤلاء المعتذرين من خبايا النفاق والأثرة والإخلاد إلى الأرض حيث الدعة والاسترخاء{لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك} العرض ،بالتحريك ،هو ما يعرض من منافع الدنيا .والمراد بالعرض القريب: الغنيمة القريبة .والسفر القاصد: معناه الموضع القريب السهل .فالمعنى: لو كان ما تدعو المتخلفين عنك إليه ،والمستأذنين منك في ترك الخروج إليه –لو كان غنيمة حاضرة قريبة وموضعا قريبا سهلا لا تبعوك ونفروا معك إليهما ؛لكنك استنفرتهم إلى موضع بعيد ،وكلفتهم سفرا شاقا عليهم ؛لأنك قد استنهضتهم في وقت الحر الشديد وفي زمن القيظ{[1790]} ،وعن الحاجة إلى الدعة والاستكنان ،وحيث التلذذ بالهجوع والرقود .ولهذا قال:{ولاكن بعدت عليهم الشقة} أي السفر إلى أرض بعيدة .والمراد بذلك غزوة تبوك .
قوله:{وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم} سيحلف هؤلاء المستأذنون في ترك الخروج إلى لقاء المشركين اعتذارا منهم إليك بالباطل لتقبل منهم عذرهم فتأذن لهم في التخلف عنك ،سيحلفون بالله كاذبين{لو استطعنا لخرجنا معكم} أي لو أطقنا الخروج معكم ،بان كان لنا ما يحتاجه المسافر الغازي من سعة المال والمراكب وصحة البدن ؛لخرجنا معكم للقاء العدو .ولقد قالوا ذلك وهم يعلمون أنهم كاذبون .وما تذعروا بما تذعروا بع إلا لضعف إيمانهم وعزائمهم وجنوحهم للإخلاد إلى القعود والتنعم بالراحة والرقود مع الخوالف .
قوله:{يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون} أي يوقعون أنفسهم في الهلاك والإفضاء إلى سخط الله وعقابه الأليم من اجل نفاقهم ،وبما حلفوه من الأيمان الكاذبة .والله جل وعلا عليهم بأنهم كاذبون فيما حلفوا عليه بالله ؛فقد كانوا مطيقين أن يخرجوا معكم بوجود السبيل إلى ذلك من الأموال وصحة الأبدان وما يحتاجه المسافر في سفره ؛لكنهم يريدون أن يتخلفوا إيثارا للدعة والراحة والإخلاء للعيش حيث اللذائذ والمنافع .لقد قالوا ما قالوه وهم يعلمون أنهم كاذبون ،وما تذرعوا به إلا لضعف إيمانهم وجنوحهم للإخلاد إلى القعود إلى العقود والتنعم بالراحة والرقود مع الخوالف{[1791]} .