{عَرَضًا}: العرض: ما لا يكون له ثبات ،وقد يطلق على المال الدنيوي .
{قَاصِدًا}: أي متوسطاً غير متناهي البعد .
{الشُّقَّةُ}: الناحية التي تلحقك المشقة في الوصول إليها .
كشف نفاق المعتذرين عن القتال
وكانت الغزوة التي دُعُوا إليها غزوة تبوك التي تبعد مسافةً طويلة عن المدينة ممّا لا يتحمّله أولئك المنافقون الذي لا يتحمّسون للجهاد من حيث المبدأ ،فكيف إذا كان خارجاً عن المألوف في بعض التفاصيل ،حيث يضيف إلى مشاكل الجهاد ،مشاكل السفر الطويل ،فاعتذروا من النبيّ ،وحاولوا أن يثيروا بعض المبررات الذاتية التي تحاول أن توحي في الظاهر ،بأنهم يمتنعون عن الخروج لموانع اضطراريّة ،لا لحالةٍ تمردّية ،وجاءت هذه الآيات لتفضح هذه اللعبة ،وتكشف واقعهم الداخلي البعيد عن خطّ الانسجام مع الأهداف الرساليّة التي يستهدفها المؤمنون في التزامهم بأوامر النبي( ص ) ونواهيه من خلال الخطّة الشاملة التي تثبّت مواقع الإسلام في الأرض .
طلب الغنيمة بدون مشقة
{لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا} أي لو كان هذا الأمر الذي دعوتهم إليه يمثل غنيمة سهلة التناول قريبة المأخذ ،وسفراً متوسطاً لا مشقّة فيه ولا عناء{لاَّتَّبَعُوكَ} وساروا معك ليحصلوا على الغنيمة ،كما كانوا يخرجون في المعارك السابقة طمعاً في الغنائم{وَلَكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ} والمسافة التي تكلفهم جهداً مضاعفاً لا يغريهم بالحركة والاستجابة للدعوة ،لأنّهم لا يجدون في ما يمكن أن يحصلوا عليه من المغانم عوضاً عما يتكلفونه من التعب والمشقّة .{وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ} ليؤكدوا إيمانهم وإخلاصهم بطريقةٍ استعراضيّةٍ يحاولون من خلالها إخفاء الواقع المزيّف الذي يعيشون فيه ،كما في الكثيرين الذين يتخذون الحلف بالله ستاراً لإخفاء أوضاعهم النفسية والعملية القلقة ،ليحصلوا على الثقة من أقرب طريق ،وليبرّروا انحرافهم بمبرراتٍ لا تخضع إلى قاعدة .فهم يقسمون الأيمان المغلّظة{لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ} فالمسألة عندهم ليست مسألة تكاسلٍ وتمرّدٍ ،بل هي مسألة عجزٍ عن الخروج لمرضٍ ونحوه ،فلا مجال للتشكيك بهم والتنديد بموقفهم عندما يرجع المسلمون من مسيرتهم ويوجهون إليهم اللوم على تخلّفهم .{يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ} في هذا الجو النفسيّ الخائف من الفضيحة والأسلوب المرتبك في الاعتذار الذي يكاد ينمّ عما في الداخل ،بحيث يشعرون بالتمزّق الداخلي الذي يمنعهم من الشعور بالثقة والاستقرار ،وربما كان المعنى ،أنهم يهلكون أنفسهم بهذا الأسلوب الملتوي الذي يواجهون فيه الهلاك على مستوى الدنيا بالفضيحة ،وعلى مستوى الآخرة بالعقاب{وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} في ما يحلفون ويؤكدون ،فلا يخفى عليه شيءٌ من أمرهم .