قوله تعالى:{ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم} نزلت هذه في رجل من المنافقين يقال له نيتل بن الحارث ،وكان رجلا أذلم أحمر العينين أسفع الخدين مشوه الخلقة ،وهو الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: من أراد أن ينظر الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث .وكان ينم حديث النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنافقين فقيل له: لا تفعل ،فقال: إنما محمد أذن ،من حديثه شيئا صدقه ،نقول ما شئنا ثم نأتيه فنحلف له فيصدقنا ،فأنزل الله تعالى هذه الآية{[1832]} .
وهذا صنف آخر من المنافقين الذين كانوا يبسطون ألسنتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالسوء والأذية والتشويه ؛إذ يأفكون بالباطل والزور إفكا ظالما كاذبا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم{أذن} أي مستمع قابل ،أو يقبل كل ما قيل له ،أو هو أذن سامعه يسمع من كل أحد ما يقول فيقبله ويصدقه .لا جرم أن ما يفتريه المنافقون من إيذاء خبيث لهو الباطل .فما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يوهمون ويخصون ،بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير مستمع في العالمين لخير الكلام وليس دونه من شر الكلام وسوءه .وهو قوله سبحانه{قل إذن خير لكم}{أذن خير} ،خبر لمبتدأ مقدر ،وتقديره: هو أذن خير ؛أي هو مستمع شر وفساد{[1833]} ؛أي هو أذن خير لا أذن شر ؛إذ يسمع الخير ولا يسمع الشر ،ويعرف الصادق من الكاذب .
قوله:{يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين} أي يصدق بالله وحده لا شريك له ،إلها خالقا معبودا ،ويصدق المؤمنين لا الكافرين ولا المنافقين .وهذا رد لمقالة المنافقين والكافرين بأن محمدا صلى الله عليه وسلم مستمع خبر ،مصدق بالله وما أوحي إليه من عنده سبحانه ،ومصدق المؤمنين وليس المنافقين والكافرين .
قوله:{ورحمة للذين آمنوا منكم} أي جعل الله رسوله رحمة لمن اتبعه من الناس واهتدى بهديه ؛بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة مهداة للعالمين كافة ،يهيديهم إلى سوء السبيل ويقودهم إلى النجاة والسلامة في الدارين ،دار الفناء ودار البقاء .
قوله:{والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم} هذا وعيد من الله للمنافقين الخبثاء الذين يعيبون رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛إذ يصفونه بأنه{أذن} أن لهم جهنم حيث العذاب الأليم{[1834]} .