هل من شركائكم من يهدي إلى الحق ؟
وتأتي الآيات لتثير علامات الاستفهام أمام هؤلاء المشركين الذين لا ينكرون وجود الله ،ولكنهم يشركون بعبادته غيره ،ويستغرقون في هذا الاتجاه حتى يسيطر على مشاعرهم وأفكارهم ،فينسون الله في غمرة ذلك كله ،فإذا هم والملحدون سواء .ومن هنا تأتي هذه الآيات لتنبش أعماقهم ،لتستخرج منها الأفكار الكامنة في داخلها ،في ما يعتقدونه من أسرار عظمة الله وقدرته ،ليوجههممن خلال ذلكإلى حقيقة التوحيد في اعتقاداتهم وأعمالهم وأحاسيسهم وأفكارهم .
الله هو الرازق والمالك والمدبّر
{قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَآءِ وَالأرضِ} في ما يهطل من المطر ،وفي ما تنبت الأرض من النبات ،أو في ما تخرجه من المعادن ،أو غير ذلك ،{أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأبْصَارَ} في ما يخلق من أدواتهما ،وفي ما يملكه من تحريك طاقاتهما في تحصيل العلوم النظرية والتجريبيّة .{وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} فيملك أمر الموت والحياة بقدرته التي تتصرف فيهما على أساس الحكمة والعظمة ؟
ويختلف المفسرون في التمثيل لخروج الحي من الميت ،فيمثل له بعضهم بخروج النبات الحي من الأرض الميتة ،ويتعمق بعض آخر فيمثّل له بما يأكله الحيوان ويمر بمعدته وأمعائه وتجري عليه جميع عمليات التحليل ،وبالنهاية ،تتكون منه خلايا جديدة بدلاً من الخلايا القديمة ،أمّا خروج الميت من الحيّ ،فقد يمثل له بولادة الميت من الإنسان الحي ،كالأم التي يموت ولدها في بطنها ،أو موت الخلايا التي يتخلص منها الجسم الحيّ بالتنفس والإفراز .
{وَمَن يُدَبِّرُ الأمْرَ} فيدير الكون وينظمه ويدبّره بقدرته التي لا يعجزها شيءٌ ،وإن عظم ؟{فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} لأنهم لا يرون لهذه الأصنام التي يعبدونها مثل هذه القدرة ،وبذلك فسيواجهون الجواب الحاسم الذي يرى كل هذه الأشياء ملكاً لله ،{فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} في ما تفرضه العقيدة بالله من ضوابط للفكر وللعمل ،لأنّها في عمقها الفكري الإيماني ،توحي للإنسان بالهيمنة المطلقة لله ،بحيث يفقد معها الشعور بالاستقلال في أيّ شيء ،بل يشعر بدلاً من ذلك بالعجز أمام الله ،وبالحاجة إليه في أموره كلها ،ما يجعل للتقوى في حياته معنىً يتصل بامتدادها وحيويّتها وحركتها في المبدأ وفي التفاصيل ،ويؤكد دورها في تحويل الإنسان من شخصٍ يستغرق في ذاته وفي ما حوله ،إلى شخصٍ يعيش في آفاق الله ،فيشعر برقابته عليه في كل القضايا والأشياء ،ويتحسس حركة المسؤولية في فكره ومشاعره وحياته ،في ما يحدّده خط الإيمان من الارتباط العميق بالله .وربما استطاعت التقوى أن تنقذه من هذه الازدواجية بين التوحيد في العقيدة والشرك في العبادة ،لأنها تفرّغ داخله من كل شيءٍ غير الله ،لتملأه به وحده في ما تثيره من إشراقة الوعي في روحه ،وابتعاد الغفلة عن فكره ،وبذلك تنكشف الحقيقة التي لا بديل عنها ،وتتضح لديه الصورة بتمامها ،