{أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللَّهَ} لتلتقي لديكم العبادة بالخط المستقيم الذي ينبغي لها أن تسير عليه ،لأن عبادة غيره لا تحمل أيّ معنىً في حساب الحقيقة ،وفي ميزان القيمة ،لأن كل من هو غير الله مخلوق له ومحتاجٌ إليه في كل شيء ،فكيف يعبده من هو مثله في المخلوقية والحاجة ؟وقد تحدثنا سابقاً ،أن العبادة تمثل الكلمة الجامعة للنهج الإلهي الرسالي الذي يتحرك فيه الإنسان انسجاماً مع إرادة الله ،لأنه يمثل خط السير في كل تفريعاته ومداخله ومخارجه ،ويلتقي جانب التوحيد فيها ،بتوحيد الفكر والشريعة والمنهج ،في كل أقوال الإنسان وأفعاله على أساس كلمة الله ،فلا مجال لغيرها في ما يفكر فيه ،أو في ما يشرّعه ،أو ما يتحرك فيه من منهج ،ولهذا اقتصر القرآن في حديثه عن رسالة نوح عليها ،في الوقت الذي نعرف فيه أن هناك تفاصيل كثيرة ،تتعلق بالقضايا الجزئية التي تحكم حياة الناس في ما يريده الله منهم .
لهفة الرسول
{إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ} وفي هذا التعبير بالخوف نستشعر المعنى الإنساني الذي ينطلق به الرسول ،ليوحي إلى الناس أنه ليس إنساناً يفكر فيهم بطريقةٍ جامدةٍ ،ورسميةٍ تتوسل المفردات القانونية في حساب الجزاء ،بل هو إنسان يتحدث معهم بلغة الإحساس والشعور والعاطفة ،عما يراهكمثل الشمسمن مستقبل مؤلم للمتمردين وما سيواجهونه من العذاب الأليم في يوم القيامة ،إذ يناديهم في ما يشبه اللهفة الملتاعة ،ليرجعوا عن غيّهم وكفرهم لئلا يلاقوا العذاب الشديد .ومن خلال ذلك نفهم ما على الداعية أن يعيشه من تفاعل مع مشاكل الآخرين ،ليعتبر الانحراف لديهم مشكلةً ترتبط بإحساسه تجاههم ،ليتحسسوا العاطفة في كلماته ،وتعبيراته ،ونظرات عينيه ،ونبضات قلبه ووجهه ،وذلك هو خط سير الأنبياء ،مما يجب أن تتحرك البشريّة معه في طريقها الطويل ،وتلك هي دعوة نوح للنبي( ع ) لقومه ،فكيف أجابوه ؟