مع نوح في خط الدعوة
وهذه جولة جديدة مع رسالة نوح( ع ) ،في خط الدعوة ،وحركة الحوار ،ومواجهة التحدّي ،حيث يريد الله أن يركز أمامنا القاعدة التي تلتقي عليها الرسالات ،في أطار المسيرة الإنسانية المستوعبة لكل تطلّعات الإنسان في الحياة ،مما يحتاج إلى التوفيق فيه بين رغباته الذاتية في الجانب المادي والروحي ،وبين رسالية الإيمان بالله .
في أطار المسيرة الإنسانية المستوعبة لكل تطلّعات الإنسان في الحياة ،مما يحتاج إلى التوفيق فيه بين رغباته الذاتية في الجانب المادي والروحي ،وبين رسالية الإيمان بالله .
ثم في ما يريد الله أن يعرّفنا من طبيعة الذهنية التي كانت تتحكم بقوم نوح ،فتدفعهم إلى الرفض والتمرّد والعصيان ،دون الرجوع إلى قاعدة فكرية أصيلة ،تناسب حجم الفكرة وما تفرضه من فكر وتأمّل ومسؤوليّة ،ثم في موقف نوح الذي يمثل الأسلوب الوديع ،والمواجهة القوية الحاسمة التي لا تقدم أيّة تنازلات على حساب الرسالة ،ولا تتسامح في مسألة دعم المؤمنين مهما كانت الظروف ،ثم في الوقفة الرسالية التي يقف فيها الرسول أمام العالم بعيداً عن كل الوضعيات الاستعراضية ،ليواجهه من مواقع إنسانيته التي لا تبتعد عن الواقع في الوقت نفسه الذي تلتقي فيه الوحي ،من خلال النظرة الموضوعية للحياة وللناس .
وتلك هي قصة نوح ،النبي ،الداعية في إيحائها الدائم الذي يمكن أن يتحرّك في مواقف الدعاة إلى الله في كل زمان ومكان ،في ما تلتقي فيه صفة الدعوة بين الأنبياء وبين أتباعهم ،وفي ما ينبغي لهم أن يتحركوا من خلاله على أساس وضوح القاعدة التي ينطلق منها خط الدعوة ،وفي الردّ الحاسم الوديع الذي يجب أن يحكم خطّ المواجهة ،وفي الحماية القويّة التي يشمل بها الداعية كل المؤمنين البسطاء الذين يتبعونه في مقابل المستكبرين المترفين الذين ينظرون إليهم باحتقار واستهزاء .
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ}ليبلغهم رسالة الله في كلمات موحية حاسمة ،فقال لهم:{إِنَّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} لأنذركم المصير الذي ينتظركم في الدنيا ،ويواجهكم في الآخرة ،نتيجة ما تمارسونه من عبادة الأوثان وما يتبعها من القيم المادية المستغرقة في الطين ،وفي غرائز اللحم والدم ،بعيداً عن كل المعاني الروحية السامية التي ترفع الإنسان إلى الله ،فتجعل لحياته معنى يتجاوز صورتها المادية ،وتثير فيها روح السموّ ،وامتداد القيمة ،وانفتاح الإنسانيّة على عمق الروح التي تتجاوز الذات إلى حياة الآخرين ،فالعلاقة بالله ليست مجرد حالة عبادية ذاتية يرتبط فيها بالله ذاتياً ،بل هي حالة روحيّة ،تجعل قضية الإيمان شيئاً أساسياً في حركة الحياة ،لا مجرّد حالةٍ ذهنيّةٍ تجريديةٍ ،وترف فكريٍّ لا علاقة له بالحياة والإنسان على مستوى المصير .