{أَرَاذِلُنَا}: الرذيل: الخسيس الحقير من كل شيء ،والجمع أرذل ثم يجمع على أراذل ،كقولك كلب وأكلب وأكالب ،ويجوز أن يكون جمع الأرذل ،فيكون مثل أكابر جمع الأكبر .
{الرَّأْي}: الرؤية ،أي: رؤية العين .والرأي أيضاً: ما يراه الإنسان في الأمر ،وجمعه آراء .
الفهم الخاطىء للنبوة
{فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا} فكيف يمكن أن تكون نبيّاً ،في ما توحي به النبوّة من سرّ الغيب الذي لا بد أن يكون الحامل له شخصاً غيبياً كالملائكة ،ويعود هذا الفهم الخاطىء للنبوة لديهم إلى عدم وعيهم لدور النبيّ في حياة الناس ،الذي يفرض أن يكون النبي من البشر لا من غيرهم ،ليتفاعلوا معه من موقع التكوين الذهني والحسّي المشترك .
{وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِىَ الرَّأْى} وهذه هي نقطة الضعف التي يعتبرونها أساس امتناعهم عن اتباع نوحٍ ،لأن النخبة التي تمثل طليعة المجتمع لم تكن ضمن الجماعة المؤمنة به ،فإيمان النخبة به ،في ما لو حصل ،يشكل سبباً في انسجامهم معه ،واتباعهم لرسالته ،وذلك لما للنخبةفي اعتبارهممن عمق في الفكر ،وامتداد في حساب العقل ،والقوة ،والمستوى الاجتماعي ،ولكن المحيطين به كانوا من الجماعة المرذولة ،التي تمثّل الطبقة السفلى في المجتمع من جهة الذهنية والامتيازات والثروة الاقتصادية ،وهم من الفقراء والمساكين ،ولم يأت إيمان هؤلاء عن تأمّل أو تفكير ،بل جاء انفعالياً سطحياً سريعاً ،لرغبة في الحصول على موقعٍ ،أو لضعف في الفكر ،وهذا ما تمثله كلمة:{بَادِىَ الرَّأْى}أي قبل التأمل ،وهو الرأي الذي يبدو للذهن لأوّل وهلة ،كخاطرةٍ سريعةٍ طارئةٍ .
إنه المفهوم الخاطىء في تقييم الأشخاص باعتبار مستواهم الاجتماعي والاقتصادي أساساً للتقدير ،بدلاً من المستوى الروحي والفكري ،كما أنّ هناك انحرافاً في تحديد القاعدة التي يرتكز عليها الإيمان ،فإن الأساس فيه هو التفكير في طبيعة مضمون الدعوة الموجّهة إلى الناس ،للحكم على ما تشتمل عليه من عناصر الخطأ والصواب ،لا التطلع إلى طبيعة الأشخاص الذين يؤمنون بتلك الدعوة ،فالعقيدة لا بد أن تخضع للمعاناة الفكرية الذاتية ،لا للتقليد والمحاكاة للاخرين .
{وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ} وهذا هو الأمر الثالث الذي يرونه مانعاً من اتّباعه ،فهم يرون الإيمان بالرسالة امتيازاً اجتماعياً يقدّمه المؤمنون للداعية ،أو للرسول ،لتبوّئه مركز القيادة للمجتمع ،فلا بد من أن يكون له بعض التميّز في المستوى الاجتماعي ،لجهة امتلاك الجاه ،أو المال ،أو القوة ،أو غير ذلك ،ليتقبل الناس الخضوع له من موقع القيمة الطبقية التي يتمتع بها ،بينما لا يمتلك نوح والمؤمنون معه ،شيئاً من تلك الفضائل يصلح أساساً لاتباعهم ،{بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} لأنكم لا تملكون قاعدة «صدق » تتأسس على مستوى اجتماعيّ أو موقع ماليّ وغير ذلك ،لذلك ليست دعوتكم سوى وسيلة من وسائل الحصول على النفوذ الذي تفقدونه ،لا الإيمان الذي تعتقدونه .