قوله:{فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نرك إلا بشرا مثلنا} الملأ الذين كفروا من قومه ،هم الكبراء والأشراف من قوم نوح الذين جحدوا نبوته وصدوا الناس عن الإيمان بدينه ،فقد قالوا:{وما نراك إلا بشرا مثلنا} أي لست إلا آدميا تشبه في خلقك وصورتك ؛فقد كانوا ينكرون أن رسول الله للناس رسولا من البشر ،بل ظنوا أن الله لا يرسل إلا ملكا من الملائكة .
قوله:{وما نرك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي} أي ما نراك اتبعك إلا الذين هم أخساؤنا وسلفتنا من الناس الفقراء والمغلوبين ،ليس الكبراء والأشراف والأغنياء .{بادي الرأي}{بادي} ،تقرا بالهمز وغير الهمز .فبادئ بالهمز اسم فاعل من بدأ يبدأ ؛أي أول الرأي .
وبادي بغير همز ،اسم فاعل من بدا يبدوا إذا ظهر ؛أي ظاهر الرأي .وبادي منصوب على الظرف ،وأصله: وقت حدوث ظاهر رأيهم ،أو أول رأيهم{[2076]} .
والمعنى المقصود من قولهم لنوح عليه السلام: أن اتباعهم لك أمر قد عن لهم من غير رواية ولا تثبيت ولا نظر .ولو أنهم تفكروا ما اتبعوك .ذلك هو قول الجاحدين العتاة من الظالمين والمجرمين ؛أولئك الذين مردوا على العناد والمكابرة والعصيان ؛فلا تصيخ قلوبهم للحق الواضح المستبين ،ولا تستجيب أذهانهم للحجة الجلية المكشوفة التي جاء بها النبيون والمرسلون ؛لقد جاءوا بالحجة الساطعة سطوع الشمس في وضح النهار المتجلي ،ومع ذلك فلا يستجيب الجاحدون الأشقياء ،ويأبون إلا العتو والاستنكاف والإدبار في خسة ولؤم ،أولئك هم الشاردون شرود الشياطين ،إذا ما ذكر الله .
أما المؤمنون المبرأون من معايب النفس المريضة ،الأسوياء في فطرهم وطبائعهم ؛فإنهم ما لبثوا أن يبادروا بالإيمان والاستجابة والطاعة في غير ما التواء ولا إبطاء ولا تحمل .أولئك هم الأسوياء الكرام من البشر الذين سمت نفوسهم وطبائعهم فوق الأمراض والعقد والشذود فأوجفوا{[2077]} بأنفسهم سراعا لا ستلهام المعاني الخيرة العظيمة التي حملها غليهم النبيون والمرسلون .
قوله:{وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين} يخاطب المشركون الظالمون نبيهم نوحا والذين آمنوا معه ليقولون لهم في استكبار فاجر: ليس لكم علينا من فضل أو شرف تتميزون به علينا ؛بل إنكم كاذبون فيما جئتمونا به .وهذا تكذيب منهم ظاهر لنبوة نوح وما جاءهم به من دين وتوحيد{[2078]} .