{ فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين 27} .
وتتضمن إجابتهم ثلاثة أمور كلها لقيها النبي صلى الله عليه وسلم من قومه والملأ هم الأشراف الأقوياء المستكبرون في الأرض بغير الحق ، ووصفهم سبحانه بالموصول{ الذين كفروا} لبيان أن السبب هو كفرهم وليس ثمة باعث حقيقي مما تضمنه قولهم ، إنما الباعث هو الكفر الذي سبق إليهم ابتداء ، وكان ذلك القول مظهره وأول ما دل عليه ، وهو استغرابهم أن يكون بشر منهم رسولا ، وكذلك كان يقول مشركو مكة .
الأمر الأول:{ ما نراك إلا بشرا مثلنا} فأي ميزة جعلتك رسولا من بيننا ، وهذا كقول المشركين في مكة:{. . . .ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق . . . .7}( الفرقان ) ، وهذا هو أول ما تضمنته إجابتهم .
الأمر الثاني:أنهم قالوا:{ وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا} جمع أراذل ، وهم الأخساء في نظرهم لأنهم يقيسون الخسة والرفعة بمقدار القوة المادية ، فمن كان غنيا مستعليا بماله ونفره كان عاليا ، ومن كان قليلا في ماله ونفره كان خسيسا في نظرهم ومعنى:{ بادي الرأي} أي ظاهر من الرؤية لا يحتاج إلى دليل .
الأمر الثالث:ما نرى لكم يا نوح أنت ومن معك من فضل علينا حتى تستحقوا الثواب دوننا ، ومن هذا البيان استغراق النفي ، أي لا نرى لكم علينا أي فضل حتى تكونوا مستحقين للثواب دوننا ، وذلك لربطهم الرفعة في الدنيا بالمادة ثم أكدوا بعد ذلك ما توهموا فقالوا:{ بل نظنكم كاذبين} وهو إضراب عما يوهم كلامهم في فرض صدق الأخبار بأنهم يستحقون ثوابا ، ويقول المفسرون إن الظن هنا هو العلم ، وأنا أقول إنه الظن الحقيقي ؛ لأن الكفار كل علمهم أوهام ، والأوهام إذا كان منها اعتقاد لا يمكن أن يكون إلا ظنا ، وإن الظن لا يغني من الحق شيئا .
ولقد أجابهم نوح عليه السلام: