/م25
لاشك أنّه لم يكن سوى حفنةً من الأعذار الواهية والحجج الباطلة والأدلة الزائفة التي تعتبر ديدن جميع الجبابرة في كل عصر وزمان ،فقد أجاب أُولئك دعوة نوح بثلاثة إِشكالات:
الأوّل: إِنّ الاشراف والمترفين من قوم نوح( عليه السلام ) قالوا له أنت مثلنا ولا فرق بيننا وبينك: ( فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلاّ بشراً مثلنا ) زعماً منهم أن الرسالة الإِلهية ينبغي أن تحملها الملائكة إلى البشر لا أن البشر يحملها إلى البشر !وظنّاً منهم أنّ مقام الإِنسان أدنى من مقام الملائكة ،أو أنّ الملائكة تعرف حاجات الإِنسان أكثر منه .
نلاحظ هنا كلمة «الملأ » التي تشير إلى أصحاب الثروة والقوة الذين يملأ العين ظاهرهم ،في حين أن الواقع أجوف .ويشكلون أصل الفساد والانحراف في كل مجتمع ،ويرفعون راية العناد والمواجهة أمام دعوة الأنبياء( عليهم السلام ) .
والإِشكال الثّاني: إِنّهم قالوا: يا نوح ؛لا نرى متبعيك ومن حولك إلاّ حفنةً من الأراذل وغير الناضجين الذين لم يسبروا مسائل الحياة ( وما نراك اتّبعك إلاّ الذين هم أراذلنا بادي الرأي ) .
و«الأراذل » جمع ل «أرذل » وتأتي أيضاً جمع ل «رذل » التي تعني الموجود الحقير ،سواء كان إِنساناً أم شيئاً آخر غيره .
وبالطبع فإِنّ الملتفين حول نوح( عليه السلام ) والمؤمنين به لم يكونوا أراذل ولا حقراء ،ولكن بما أنّ الأنبياء ينهضون للدفاع عن المستضعفين قبل كل شيءً ،فأوّل جماعة يستجيبون لهم ويلبّون دعوتهم هم الجماعة المحرومة والفقيرة ،ولكن هؤلاء في نظر المستكبرين الذين يعدّون معيار الشخصيّة القوة والثروة فحسب يحسبونهم أراذل وحقراء ..
وإِنّما سمّوهم ب «بادي الرأي » أي الذين يعتمدون على الظواهر من دون مطالعة ويعشقون الشيء بنظرة واحدة ،ففي الحقيقة كان ذلك بسبب أنّ اللجاجة والتعصب لم يكن لها طريق إلى قلوب هؤلاء الذين التفوا حول نوح( عليه السلام ) لأنّ معظمهم من الشباب المطهرة قلوبهم الذين يحسون بضياء الحقيقة في قلوبهم ،ويدركون بعقولهم الباحثة عن الحق دلائل الصدق في أقوال الأنبياء( عليهم السلام ) وأعمالهم .
الإِشكال الثّالث: الذي أوردوه على نوح( عليه السلام ) أنهم قالوا: بالإضافة إلى أنّك إِنسان ولست ملكاً ،وأن الذين آمنوا بك والتفوا حولك هم من الأراذل ،فإنّنا لا نرى لكم علينا فضلا ( وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين ) .