{مَثْوَاهُ}: الثواء: الإقامة ،والمثوى: موضع الإقامة ،والمراد بأكرمي مثواه: أحسني معاملته .
{مَكَّنَّا}: مكّنا له في الأرض: جعلنا له مكانة فيها .
بدء التمكين
{وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} فقد أعجبه هذا الغلام ،ونفذ إلى قلبه ،بحسنه ووداعته وصفاته الروحية والأخلاقية ،مما قد لا يجتمع في العبيد الذين يعرضهم النخاسون في سوق النخاسة ،فأراد من امرأته ألاّ تعامله بالشدّة والقسوة التي كان يعامل بها العبيد ،بل أراد معاملته باللطف والإكرام ،كإنسان يستحق الإعزاز والاحترام ،لينتفع به ،ويعتمد عليه في الأمور الخاصة ،ويكون موضع سرّه يأتمنه على خصوصيات البيت وأسراره ،أو يتبناه ،لأنه كان عقيماً لا ولد له ،وهذا ما أوحى به إلى امرأته:{عَسَى أَن يَنفَعَنَآ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًاِ} .
وهذا ما أراد الله أن يهيئه ليوسف من وضعيّةٍ تمكنه من السير في اتجاه تقوية مركزه ودعم مكانته ،لا سيما بعد أن يتجاوز بنجاح الظروف المثيرة والأحداث الصعبة ،مما أهلّه لفرصة الاعتماد عليه في تفسير الحلم الكبير للملك ،لأن الله قد ألهمه ،تأويل الأحاديث بطريقةٍ تسمح له جلاء الكثير من غوامضها .
{وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْض} فجعلناه في الموقع الذي يمكنه من بلوغ المنزلة الكبيرة ،{وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ} لنهيىء له المدخل الطبيعي للنفاذ إلى ذلك المجتمع الكبير المعقّد ،الذي لا يسمح لأحد بدخوله إلا من باب الامتيازات الخاصة التي يملكونها ،{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} في ما يريد أن ينفّذه من مشيئته وإرادته في خلقه ،فلا رادّ لمشيئته في جميع الأمور ،{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} فلا يعرفون علاقة كل شيء بالله لأن الأسباب مهما تعددت وتنوّعت ،فإن أمرها ينتهي إليه ،فهو القادر على تغييرها من حال إلى حال ،وتوجيهها بالاتجاه الذي يريده ،وهو أمر لا يلتفت إليه الناس عند تقدير عواقب الأمور .