{وَيَدْرَأونَ}: يدفعون .
{عُقْبَى}: من العاقبة وهي النهاية التي تؤدي إليها البداية إن خيراً فخير وإن شراً فشر .
{وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ} ،بما يمثله الصبر من التزامٍ عمليٍّ بما يحبه الله ويرضاه ،على الرغم من النتائج السلبية لذاك الالتزام ،وما يجري عليهم من الآلام ومن خسائر مادية ومعنوية نتيجة الحرمان على أكثر من صعيد .وهؤلاء الصابرون لا ينطلقون في موقفهم الصامد من حالةٍ ذاتية ،بل من التقرب إلى الله في معاناتهم وتحمل الآلام والتضحيات .وبذلك يتعمّق الصبر في نفوسهم كحالةٍ نفسيةٍ جهاديةٍ عميقةٍ ،في عمق الارتباط بالله والإيمان به .
{وَأَقَامُواْ الصّلاة} التي تفتح قلوبهم لله ،وتعرج بأرواحهم إليه ،وتدفعهم للتفكير الدائم بالإخلاص له في موقع الممارسة العملية للعبودية المطلقة له ،أمام الألوهية القادرة الرحيمة ،فيعيشون الحرية أمام العالم كله ،لشعورهم العميق بالعبودية لله ،وتتأكد كل القيم الكبيرة في الحياة ،من خلال ما تخلقه روحية الصلاة في ركوعها وسجودها وكلماتها من آفاقٍ روحية ومناهج عملية ،تلتقي بالجانب المشرق من الفكر والحياة .
{وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً} بما يمثله الإنفاق من معنى العطاء الذي يمتد من روح الإنسان المتحركة بالخير ،إلى حياة الآخرين ،ليشبع جائعاً وليروي ظامئاً وليكسو عرياناً وليغيث ملهوفاً ،وليقضي حاجةً وليفرّج كربةً وليقوّي ضعيفاً أو يعلِّم جاهلاً أو يهدي ضالاً ،إلى غير ذلك من موارد الإنفاق في سبيل الله الذي يتحرك في حالة السر عندما تدعو الحاجة إلى الإسرار بالإنفاق لحفظ كرامة الإنسان المحتاج ،أو يتحرك في حالة الإعلان عندما تدعو الحاجة إلى الإعلان ،لتشجيع الآخرين على ذلك أو لتسجيل موقفٍ في هذا المجال لمصلحةٍ إنسانيةٍ أو إسلامية .
{وَيَدْرأونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} بانفتاحهم على الجانب الإنساني الخيّر من شخصية الإنسان الذي يعيش رحابة الصدر ،وسعة الأفق وإنسانية النظرة وروحية المعاملة ،فلا يتعقّد من الإساءة إليه ليتحوّل ذلك إلى حالةٍ مرضيةٍ في نفسه ،بل يحاول أن يمتص السلبيات ليحوّلها إلى إيجابياتٍ ،ويواجه السيئات بروحيةٍ تطمح إلى تبديلها بالحسنات ،فيحسن لمن أساء إليه ،ويعفو عمّن اعتدى عليه ،ويصل من قطعه ،حتى يجعل من ذلك حافزاً يدفع الطرف الآخر للتراجع عن خطئه ،والرجوع إلى ربه ،انطلاقاً من القناعة بأن الفعل الأخلاقي متعلق بالإحساس الداخلي بالمبدأ ،لا من موقف رد الفعل ،باعتبار القيمة الأخلاقية عمليةً تبادلية يقدّم فيها الإنسان إلى الآخرين مقابل ما قدموه إليه ،أو ينتظرهم ليتسلموا زمام المبادرة في عمل الخير معه .
وعلى ضوء ذلك ،نستطيع أن نفهم كيف يعدّ الإسلام الإنسان المسلم لقيادة الحياة من حوله ،ليتغلب على كل سلبياتها الانفعالية ،بواسطة عقله الذي يخطط للمستقبل الواسع ،إذا فكر الناس من حوله بالزوايا الضيّقة للحاضر ،وبواسطة روحه التي تنفتح على مشاكل الآخرين ،بالروحية التي تعمل على حلّها ،لا على تعقيدها ،فإن ذلك هو السبيل للسيطرة على الساحة ،بسياسة الاحتواء الفكري والأخلاقي الذي لا يترك جانباً فارغاً من الخير ،أو من الحركة الجدّية في اتجاه التجربة الواقعية لأعمال الخير .