{وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ} وهو مخلوق حي عاقل يعيش مع الإنسان على الأرض ولكن في مجتمعٍ منفصل عنه ،دون أن يبرز أي مظهر من مظاهر حياته أو حركته على الأرض مع الإنسان ،إلا في حالاتٍ خاصة ،وهو مخلوق كالإنسان تماماً يعقل ويفكر ويتحمل المسؤولية أمام الله في الحياة ،ثم يموت ويبعث ليواجه نتائج المسؤولية ،لكنه يتميز عن الإنسان بحرية أكبر ،لما أودعه الله فيه من خصائص وأسرار ،لا نملك إمكانية اكتشافها لمحدودية طاقاتنا وتجاربنا في هذا المجال ،كما أننا لا نملك أيّة وثيقةٍ حيّة للوصول إلى ذلك إلا ما عرفنا الله إياه في كتابه ،أو ما شرحه النبي في سنته ،مما ثبت النقل فيه عنه بشكلٍ موثوق .وقد بيّن الله لنا في هذه الآية ،أنه خلق الجان من نار السموم ،ولعل المراد بها الريح الحارّة التي تؤثر تأثير السمّ ،كما أفاد الراغب في تفسير معناها ،مما حوّلها إلى نار ،أو جعلها قريبةً إلى النار ،ولكن كيف كان ذلك ؟هذا ما لم يبيّن لنا الله أمره .
ولكن لماذا بيّن الله لنا هذه الحقيقة التكوينية ؟
لعل السبب في ذلك أن إبليس كان من الجن ،كما شرح الله لنا في آيةٍ أخرى ،وأن شعوره بامتياز مادّة خلقه وهي النار على التراب الذي هو مادة خلق الإنسان ،هو الذي جعله يرفض الأمر الإلهي بالسجود للإنسان .