{زَبُورًا}: كتاباً اَنزل على داود( ع ) .
{وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} لأنه هو الذي خلقهم ،ويعلم سرّهم وعلانيتهم ،ولا يخفى عليه شيء في الأرض والسماء .وهذا ما يريد الله من الإنسان أن يختزنه داخل ضميره ،ليشعر بالإحاطة الشاملة الممتدة لكل الآفاق من حوله ،حتى يكون ذلك سبيلاً لتعميق الرقابة الداخلية في نفسه ،فيمتنع عن التمرُّد على الله ومعصيته ،ويكون انطلاقة للوعي الفكري الذي يوحي بالثقة بتنظيم الله للكون على مستوى التكوين والتشريع ،وإرسال الرسل الذين يقودون الناس إلى الخير ،وإنزال الكتب التي توجه الحياة إلى التخطيط الدقيق الذي يعطيها هداها .
اهتزاز الكون بالتسبيح
{وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} بما ميزناهم من مواقع العمل ،وطبيعة المعجزة ،ونوعية الكتب ،وذلك بمقتضى الحكمة التي أقام الله الحياة عليها .{وآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} هذا الكتاب الذي يتميز بالكلمة الأحسن المشتملة على حمد الله وتسبيحه ،وبالأسلوب الأحسن الذي يثير أعمق مشاعر الإيمان ،في الانفتاح على الله سبحانه ،والخضوع له ،والخشوع أمام جلاله ...وهكذا كان هذا السحر اللفظي والمضموني والروحي الممتزج بالسحر الصوتي الذي يتميز به نبي الله داود عندما يقرأ الزبور ،يوجب الاهتزاز الكوني بالتسبيح لله ،حتى لتحس بأن الكون يسبِّح من حوله ،والطيور تسبِّح من فوقه .
ولعل في هذا بعض الإيحاء بأن الله قد يجعل الفضل بالكلمة الأحسن ،والأسلوب الأحسن ،لأن الحياة قد تفتح قلبها للحقيقة من خلالهما ،وقد تهتز لمشاعر الإيمان أمامهما ،ولأن ذلك يحقق إنسانية الإنسان في احترامه للآخرين ،الذي يؤدي إلى احترام الآخرين له ولفكره من موقع المحبة والانفتاح .