زينة الحياة الدنيا
{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} من خلال ما يدخل على الإنسان منها من بهجة وأنس ،وما يستمتعه من شهوة وعاطفة وحركة وجمال ..وما يحقق منها من منفعة وقوّة وامتداد في شؤون الحياة ...فالمال يمثِّلفي حياتهالعنصر القويّ الذي يفتح له أكثر الساحات ،ويجمع حوله الكثير من الأعوان ،ويحقق له أحلى المشتهيات ،ويرفعه إلى الدرجة العليا في الموقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي ،ويمنحه حرية الحركة في ما يريده لنفسه من طيبات الحياة الدنيا ومن أحلام المستقبل المتجددة أبداً .
أما البنون ،فهم الذين يمثلون له القوّة العددية ،التي تجعله موجوداً في كل واحدٍ منهم ،فيعطيه ذلك قوّة جديدةً ،والشعور بامتداد حياته فيهم ،فيحس بأنه يحيا في كل واحد منهم حياةً جديدةً بعد الموت ..إنهم يهبونه الامتداد العاطفي الروحي الذي يشعر فيه بالسلوى والأنس واللهو به في طفولتهم ،بحيث يسترجعمن خلالهمطفولته ،بما يأخذ من أسباب اللهو واللعب معهم بحب وعاطفة ...ويحس بالفخر والزهو والرفعة عندما يحيطون به في شبابهم وكهولتهم ،حيث يرى أنهم يمثلون مجداً يضاف إلى مجده ،وزهواً يقوّي عنصر الزهو الذاتي في شخصيته ،عندما يتحولون إلى شخصياتٍ فاعلة قويّة في مجتمعاتهم ،لأنهم ينتسبون إليه ويعود كل عنصرٍ طيب منهم إليه ...وهكذا يعيش الإنسان مع ماله وولده الزينة المادية والعاطفية والروحية والمعنوية ،ولكن ماذا بعد ذلك ؟
سيذهب المال عنه قبل أن يفارق الدنيا أو بعد ذلك ،وسيفارقه البنون أو يفارقهم ،أو يتركونه أو يتركهم ،ويبقى وحده ،ويدفن في القبر وحده ،ويحشر يوم القيامة وحده ،تماماً كأيّة زينة للجسد ،مما يتزيّن به الناس لبعضهم البعض ،حيث تزول عن الإنسان أمام أيّ حدثٍ طارىءٍ في الحياة .
الباقيات الصّالحات
{وَالْباقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ} من أعماله الخيّرة الصالحة التي قام بها في حياته مما يُصلح أمور البلاد والعباد ،ومن كلماته الصادقة النافعة التي تكلم بها ،ليعلّم جاهلاً ،أو ليهدي ضالاً ،أو لينصر مظلوماً ،أو ليقوِّي ضعيفاً ،أو ليحلّ مشكلةً ،أو ليؤيِّد حقاً ،أو ليهدم باطلاً ،أو ليركِّز عدلاً ،أو ليدفع ظلماً ...وغير ذلك مما يمتد أثره في حياة الناس ،في حياته وبعد مماته ؛{خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا} لأن الله جعل ثواب الإنسان لما يبذله من جهد في سبيل الحق والعدل والخير والحياة ،مما ينسجم مع أوامره ونواهيه ويتحرك في خط رضاه .أمّا المال ،فلا قيمة له عند الله في ذاته وفي جمعه إلا إذا تحرك في مواقع الخير ،وكان إنفاقه في سبيل الله .وأما البنون ،فإن قيمتهم عند الله هي في الجهد الذي يبذله الإنسان من أجل أن يكونوا مؤمنين صالحين ،يصلحون أنفسهم بالطاعة ،ويصلحون الناس بالعلم والهداية وحركة الخير ...وبذلك يكون المال والبنونفي حركة الجهد العملي للإنسان من أجل خدمة الحياة في خط اللهجزءاً من الباقيات الصالحات ،فتكون كبقية أعماله وأقواله خير ثواباً{وَخَيْرٌ أَمَلاً} في ما يأمله الإنسان من رحمة الله ومن عفوه ورضوانه التي يحصل منها على سلامة المصير في الدنيا والآخرة ،بينما لا يأمل من زينة الدنيا المجرّدة شيئاً لمستقبله الآخروي ،ولا يجد أمامه هناك أيّ ثواب .
وهذا ما ينبغي للإنسان أن يعيشه في تحريك تفكيره نحو التعمُّق في الدنيا ،ليميّز بين مفرداتها الفانية ،وبين مفرداتها الباقية ،ليكون كل جهده لما يبقى ،ولا تكون حياته لما يفنى ويزول ويتلاشى مع الظلام .