قوله: ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا ) المال زينة للإنسان ؛لأنه يتحصل له به المنافع والشهوات .وبالمال يبلغ الإنسان كثيرا من مآربه الشخصية والدنيوية مما تشتهيه نفسه وتطمح إليه . وبالمال يجد الأغنياء أنفسهم موضع اعتبار لدى الناس ؛إذ ينظرون إليهم بمنظار التعظيم والتبجيل .
ومن أجل ذلك حُبب للناس التفاخر في كثرة المال .وكذلك البنون ؛فهم محبوبون بالفطرة ،ثم إنهم سبب يتقوى به الآباء ؛إذ يطمحون في الظهور والاستعلاء ،ويرغبون أن يكونوا من أولي المكانات والدرجات في المجتمعات التي لا ترعى غير المقاييس الشكلية الزائفة .ومن أجل ذلك كان المال والبنون زينة للناس يتفاخرون بها في حياتهم الدنيا .وهي زينة ما لها من مُكث ولا ديمومة .وإنما هي صائرة كلها إلى النهاية المنتظرة المحتومة وهي الفناء وموت الغافلين والمغرورين من أولي الطول والمفاخرة .وليس من باق بعد ذلك إلا الأعمال الصالحة التي تظل رفيقة المؤمنين العاملين فلا تبرحهم ثم تشهد لهم يوم القيامة بالخير والصلاح ليكونوا من الناجين والفائزين وهو قوله: ( والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا ) واختلفوا في المراد بالباقيات الصالحات .فقيل: هي الصلوات الخمس ،وهو قول ابن عباس وآخرين .وقيل: هي الكلمات المأثورة: سبحان الله ،والحمد لله ،ولا إله إلا الله ،والله أكبر ،ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .وفي ذلك أخرج ابن ماجه عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله ( ص ):"عليك بسبحان الله ،والحمد لله ،ولا إله إلا الله ،والله أكبر ؛فإنهن يحطن الخطايا كما تحط الشجرة ورقتها ".
وقيل: ( والباقيات الصالحات ) يراد بهن البنات الصالحات ؛فهن عند الله لآبائهن خير ثوابا وخير أملا في الآخرة لمن أحسن إليهن .وفي هذا الصدد روي عن النبي ( ص ) أنه قال:"لقد رأيت رجلا من أمتي أمر به إلى النار فتعلق به بناته وجعلن يصرخن ويقلن: رب إنه كان يحسن إلينا في الدنيا فرحمه الله بهن ".
وفي رواية عن ابن عباس أنا كل عمل صالح من قول أو فعل يبقى للآخرة .فالدنيا زينتها المال والبنون ،ومقتضيات ذلك من أنواع اللذائذ والمفاخرات مما يفنى لا محالة ،وينقضي بانقضاء الدنيا .وما بعد ذلك من الأعمال الصالحات ما بين صلوات وذكوات وصيام ومختلف وجوه العبادات ،أو أمر بمعروف ونهي عن منكر ،أو جهاد في سبيل الله ،أو بر وإحسان ،ومختلف ألوان الطاعات ،فكل ذلك من الباقيات الصالحات التي تبقى راسخة في الميزان ليجدها المؤمنون الصادقون بين أيديهم يوم الحساب .
قوله: ( وخير أملا ) ما تقدم ذكره من الصالحات خير ما يأمله الإنسان ؛فهو المأمول النافع الباقي .أما غيره من آمال الدنيا ؛فإنه غمام منقشع يصير إلى الزوال عما قريب{[2826]} .