وقوله:( المال والبنون زينة الحياة الدنيا ) كقوله ( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب ) [ آل عمران:14] ، وقال تعالى:( إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم ) [ التغابن:15] أي:الإقبال عليه والتفرغ لعبادته ، خير لكم من اشتغالكم بهم والجمع لهم ، والشفقة المفرطة عليهم ؛ ولهذا قال:( والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا ) قال ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وغير واحد من السلف:"الباقيات الصالحات "الصلوات الخمس .
وقال عطاء بن أبي رباح ، وسعيد بن جبير ، عن ابن عباس:"الباقيات الصالحات "سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر .
وهكذا سئل أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - عن:"الباقيات الصالحات "ما هي ؟ فقال:هي لا إله إلا الله ، وسبحان الله ، والحمد لله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
رواه الإمام أحمد:
حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ، حدثنا حيوة ، أنبأنا أبو عقيل ، أنه سمع الحارث مولى عثمان - رضي الله عنه - يقول:جلس عثمان يوما وجلسنا معه ، فجاءه المؤذن ، فدعا بماء في إناء ، أظنه أنه سيكون فيه مد ، فتوضأ ثم قال:رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوئي هذا ، ثم قال:"من توضأ وضوئي هذا ، ثم قام فصلى صلاة الظهر ، غفر له ما كان بينها وبين الصبح ، ثم صلى العصر غفر له ما بينها وبين الظهر ، ثم صلى المغرب غفر له ما بينها وبين العصر ، ثم صلى العشاء غفر له ما بينها وبين المغرب ، ثم لعله يبيت يتمرغ ليلته ، ثم إن قام فتوضأ وصلى صلاة الصبح ، غفر له ما بينها وبين صلاة العشاء وهي الحسنات يذهبن السيئات "قالوا:هذه الحسنات فما الباقيات الصالحات يا عثمان ؟ قال:هي لا إله إلا الله ، وسبحان الله ، والحمد لله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله تفرد به .
وروى مالك ، عن عمارة بن عبد الله بن صياد عن سعيد بن المسيب قال:"الباقيات الصالحات "سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وقال محمد بن عجلان ، عن عمارة قال:سألني سعيد بن المسيب عن "الباقيات الصالحات "فقلت:الصلاة والصيام . قال:لم تصب . فقلت:الزكاة والحج . فقال:لم تصب ، ولكنهن الكلمات الخمس:لا إله إلا الله ، والله أكبر ، وسبحان الله ، والحمد لله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وقال ابن جريج:أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن نافع عن سرجس ، أنه أخبره أنه سأل ابن عمر عن:( والباقيات الصالحات ) قال:لا إله إلا الله ، والله أكبر ، [ وسبحان الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله . قال ابن جريج:وقال عطاء بن أبي رباح مثل ذلك .
وقال مجاهد:( والباقيات الصالحات ) سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر] .
وقال عبد الرزاق:أخبرنا معمر ، عن الحسن وقتادة في قوله:"الباقيات الصالحات "قال:لا إله إلا الله ، والله أكبر ، والحمد لله ، وسبحان الله ، هن الباقيات الصالحات .
قال ابن جرير:وجدت في كتابي عن الحسن بن الصباح البزار ، عن أبي نصر التمار ، عن عبد العزيز بن مسلم ، عن محمد بن عجلان ، عن سعيد المقبري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، من الباقيات الصالحات ".
قال:وحدثني يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرنا عمرو بن الحارث أن دراجا أبا السمح حدثه ، عن ابن الهيثم ، عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"استكثروا من الباقيات الصالحات ". قيل:وما هي يا رسول الله ؟ قال:"الملة ". قيل:وما هي يا رسول الله ؟ قال:"التكبير ، والتهليل ، والتسبيح ، والحمد لله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ".
وهكذا رواه أحمد ، من حديث دراج ، به .
وبه قال ابن وهب:أخبرني أبو صخر أن عبد الله بن عبد الرحمن ، مولى سالم بن عبد الله حدثه قال:أرسلني سالم إلى محمد بن كعب القرظي ، فقال:قل له:القني عند زاوية القبر فإن لي إليك حاجة . قال:فالتقيا ، فسلم أحدهما على الآخر ، ثم قال سالم:ما تعد الباقيات الصالحات ؟ فقال:لا إله إلا الله ، وسبحان الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، فقال له سالم:متى جعلت فيها "لا حول ولا قوة إلا بالله ؟ "فقال:ما زلت أجعلها . قال:فراجعه مرتين أو ثلاثا ، فلم ينزع ، قال فأبيت قال سالم:أجل فأبيت فإن أبا أيوب الأنصاري حدثني أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو يقول:"عرج بي إلى السماء فأريت إبراهيم عليه السلام ، فقال:يا جبريل من هذا معك ؟ فقال:محمد فرحب بي وسهل ، ثم قال:مر أمتك فلتكثر من غراس الجنة ، فإن تربتها طيبة وأرضها واسعة . فقلت:وما غراس الجنة ؟ قال:لا حول ولا قوة إلا بالله "
وقال الإمام أحمد:حدثنا محمد بن يزيد ، عن العوام ، حدثني رجل من الأنصار ، من آل النعمان بن بشير ، قال:خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونحن في المسجد بعد صلاة العشاء ، فرفع بصره إلى السماء ثم خفض ، حتى ظننا أنه قد حدث في السماء شيء ، ثم قال:"أما إنه سيكون بعدي أمراء ، يكذبون ويظلمون ، فمن صدقهم بكذبهم ومالأهم على ظلمهم ، فليس مني ولا أنا منه ، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يمالئهم فهو مني وأنا منه . ألا وإن "سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر هن الباقيات الصالحات "
وقال الإمام أحمد:حدثنا عفان ، حدثنا أبان ، حدثنا يحيى بن كثير ، عن زيد ، عن أبي سلام [ عن] مولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم [ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم] قال:"بخ بخ لخمس ما أثقلهن في الميزان:لا إله إلا الله ، والله أكبر ، وسبحان الله ، والحمد لله ، والولد الصالح يتوفى فيحتسبه والده ". وقال:"بخ بخ لخمس من لقي الله مستيقنا بهن ، دخل الجنة:يؤمن بالله ، واليوم الآخر ، وبالجنة وبالنار ، وبالبعث بعد الموت ، وبالحساب
وقال الإمام أحمد:حدثنا روح ، حدثنا الأوزاعي ، عن حسان بن عطية قال:كان شداد بن أوس رضي الله عنه ، [ في سفر] فنزل منزلا فقال لغلامه:"ائتنا بالشفرة نعبث بها ". فأنكرت عليه ، فقال:ما تكلمت بكلمة منذ أسلمت إلا وأنا أخطمها وأزمها غير كلمتي هذه . فلا تحفظوها علي واحفظوا ما أقول لكم:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إذا كنز الناس الذهب والفضة فاكنزوا هؤلاء الكلمات:اللهم إني أسألك الثبات في الأمر ، والعزيمة على الرشد ، وأسألك شكر نعمتك ، وأسألك حسن عبادتك ، وأسألك قلبا سليما ، وأسألك لسانا صادقا ، وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم ، وأستغفرك لما تعلم ، إنك أنت علام الغيوب "
ثم رواه أيضا النسائي من وجه آخر عن شداد ، بنحوه
وقال الطبراني:حدثنا عبد الله بن ناجية ، حدثنا محمد بن سعد العوفي ، حدثني أبي ، حدثنا عمر بن الحسين ، عن يونس بن نفيع الجدلي ، عن سعد بن جنادة - رضي الله عنه - قال:كنت في أول من أتى النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الطائف ، فخرجت من أهلي من السراة غدوة ، فأتيت منى عند العصر ، فتصاعدت في الجبل ثم هبطت ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت ، وعلمني:( قل هو الله أحد ) و ( إذا زلزلت ) وعلمني هؤلاء الكلمات:سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، وقال:"هن الباقيات الصالحات ". وبهذا الإسناد:"من قام من الليل فتوضأ ومضمض فاه ، ثم قال:سبحان الله مائة مرة ، والحمد لله مائة مرة ، والله أكبر مائة مرة ، ولا إله إلا الله مائة مرة ، غفرت ذنوبه إلا الدماء فإنها لا تبطل "
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله:( والباقيات الصالحات ) قال:هي ذكر الله ، قول:لا إله إلا الله ، والله أكبر ، وسبحان الله ، والحمد لله ، وتبارك الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وأستغفر الله ، وصلى الله على رسول الله ، والصيام ، والصلاة ، والحج ، والصدقة ، والعتق ، والجهاد ، والصلة ، وجميع أعمال الحسنات . وهن الباقيات الصالحات ، التي تبقى لأهلها في الجنة ، ما دامت السموات والأرض .
وقال العوفي ، عن ابن عباس:هن الكلام الطيب .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم:هي الأعمال الصالحة كلها . واختاره ابن جرير ، رحمه الله .