الآية التي بعدها تذكر وضع المال والثروة والقوة الإِنسانية اللذين يعتبران ركنين أساسيين في الحياة الدنيا ،حيثُ تقول: ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا ) .
إِنَّ هذه الآيةفي الحقيقةتُشير إلى أهم قسمين في رأسمال الحياة حيثُ ترتبط الأشياء الأُخرى بهما ،إِنّها تشير إلى ( القوّة الاقتصادية ) و ( القوّة الإِنسانية ) لأنَّ وجودهما ضروري لتحقيق أي هدف مادي ،خاصّة في الأزمنة السابقة إِذ كان من يملك أبناء أكثر يعتبر نفسهُ أكثر قوة ،لأنَّ الأبناء هم رُكن القوّة ،وقد وجدنا في الآيات السابقة أنَّ صاحب البستان الغني كان يتباهى بأمواله وأعوانه على الآخرين ويقول: ( أنا أكثر منك مالا وأعز نفراً ) .
لذا فإِنّهم كانوا يعتمدون على «البنين » جمع ( ابن ) والمقصود به الولد الذكر ،حيث كانوا يعتبرون الولد رأسمال القوّة الفعّالة للإِنسان ،وبالطبع ليسَ للبنات نفس المركز أو المقام .
المهم أنَّ ( المال والبنون ) بمثابة الورد والبراعم الموجودة على أغصان الشجر ،إِنّها تزول بسرعة ولا تستمر طويلا ،وإِذا لم تستثمر في طريق المسير إلى ( الله ) فلا يُكتب لها الخلود ،ولا يكون لها أدنى اعتبار .
ورأينا أنَّ أكثر الأموال ثباتاً ودواماً والمتمثلة في البستان والأرض الزراعية وعين الماء قد أبيدت خلال لحظات .
وفيما يخص الأبناء ؛فبالإِضافة إلى أنَّ حياتهم وسلامتهم معرَّضة للخطر دائماً ،فهم يكونون في بعض الأحيان أعداءً بدلا مِن أن يكونوا عوناً في اجتياز المشاكل والصعوبات .
ثمّ يُضيف القرآن: ( والباقيات الصالحات خيرٌ عِندَ ربِّك ثواباً وخيرٌ أملا ) .
بالرغم مِن أنَّ بعض المفسّرين أرادوا حصر مفهوم ( الباقيات الصالحات ) في دائرة خاصّة مِثل الصلوات الخمس أو ذكر: سبحان الله والحمد لله ولا إِله إِلاّ الله والله أكبر ،وأمثال هذه الأُمور ،إِلاَّ أنَّ الواضح أنَّ هذا التعبير هو مِن السعة بحيث يشمل كل فكرة وقول وعمل صالح تدوم وتبقى آثاره وبركاته بين الأفراد والمجتمعات .
فإِذا رأينا في بعض الرّوايات أنّ الباقيات الصالحات تفسّر بصلاة الليل ،أو مودة أهل البيت( عليهم السلام ) ،فإِن الغرض مِن ذلك هو بيان المصداق البارز ،وليسَ تحديد المفهوم ،خاصّة وإِن بعض هذه الرّوايات استخدمت فيها كلمة ( من ) التي تدل على التبعيض .
فمثلا في رواية عن الإِمام الصادق( عليه السلام ) أنَّهُ قال: «لا تستصغر مودّتنا فإِنّها مِن الباقيات الصالحات » .
وفي حديث آخر عن رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) نقرأ قوله: «لا تتركوا التسبيحات الأربع فإنّها مِن الباقيات الصالحات » .
وحتى الأموال المتزلزلة أو الأبناء الذين يكونون أحيانا فتنة واختبارا ،إذ استخدمت في مسير الله تبارك وتعالى فإِنّها ستكون من الباقيات الصالحات ،لأنَّ الذات المقدسة الإِلهية ذات أبدية ،فكل ما يرتبط بها ويسير نحوها سيكتب له البقاء والأبدية .
/خ46