{إِذْ قَالَ لأبيه يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً} فقد رأى أباه يعبد الأصنام التي يعبدها قومه ،وهو بذلك خاضع كغيره لعادة السير على خطى الآباء والأجداد وتقليدهم في السلوك .والسبب غياب الوعي الفكري ،الذي يكفل عدم صدور أي عمل عن الإنسان إلا بعد دراسة طبيعته وخلفياته ونتائجه ،ومدى انسجامه مع الجانب الخير من الحياة مع موقع الحق في الفكر .وتبقى للعادة حرمتها وقداستها ويعمل الجميع على تبريرها بأن يفرضوا لها أسراراً عميقة غامضة في قدراتها الذاتية في الخير والشر .
وهكذا أراد إبراهيم أن يثير التساؤل في تفكير أبيه ،وذلك بأن يطرح عليه الجانب اللامعقول في هذه العبادة بطريقةٍ بسيطةٍ لا تكلَّف الإنسان بذل أيّ جهد في التفكير من أجل اكتشاف انحرافها عقيدياً .فحاول أن يهز جمود الموقف عنده ،بطريقة الصدمة وأسلوب الإثارة ،فهاجم هذه المقدسات الصنمية بعنف .فكيف يمكن له وهو العاقل الواعي الكبير في سنه ،أن يعبد هذه الحجارة التي لا تسمعهإذا خاطبها الإنسان بحاجة أو سؤال أو خضوعٍ وابتهال،ولا تبصره إذا وقف أمامها في وقفة عبادة ،لأنها لا تملك أي حس يوحي بالتأثر والانفعال في ما يقوم به الآخرون تجاهها ؟!فكيف يمكن أن تكون آلهة ،وإحساسها غائب غياباً كلياً عن الإنسان والكون والحياة ؟ثم ما الذي تملكه من قوةٍ وقدرةٍ على التأثير بما حولها ومن حولها ؟إنها اللاشيء في عالم المعقول ،أو في عالم الحركة ،فكيف تستجيب لدعوات الناس الذين يعبدونها ،وكيف تدفع عنهم الضرر أو تجلب لهم النفع ،أو ترفع ضغط الواقع عنهم ؟وما فائدة عبادتهم لها ،وما قيمتها على مستوى الوجود كي تعبد ؟
إنها اللاّفائدة ،واللاّمعقول ،واللاّإحساس بأي شيء في الحياة .