{وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَأَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} إن الصورة هنا تختلف تماماً ،فهؤلاء هم الذين ينفقون أموالهم طلباً لرضا الله عنهم ،لأنهم يحسون بالحاجة إلى ذلك في ما تفرضه عليهم مشاعر الإيمان في حركتها العملية نحو الوصول إلى خط التكامل في الحياة ،وهؤلاء هم الذين ينفقون انطلاقاً من قيمة عميقة داخل النفس ثابتة في طبيعة تكوينها ،وليس مجرد خطرات سريعة تأتي وتزول لدى أوّل رجفة أو هزّة .أما الصورة التي تعطي الفكرة الحسيّة بوضوح ،فهي أن تتمثل بستاناً في ربوة مرتفعة ،والربوة تختلف عن المكان المنخفض في ما يتعلق بطبيعة السلامة للزرع ،لأن المنخفضات قد تشتمل على أشياء وخيمة تضر بالزرع من خلال المستنقعات التي تتجمع فيها وتحمل الكثير من ذلك ،بينما لا يصل ذلك إلى المرتفعات .
إننا نتمثل هذا البستان الذي تحتضنه هذه الربوة وتحمل جذوره إلى الأعماق البعيدة في الأرض ،فتكفل لها القوة والامتداد والثبات ،فإذا جاء المطر الغزير ،أعطاها ازدهاراً ونمواً ونتاجاً مضاعفاً ،أمّا إذا نزل المطر رذاذاً يندّي الأرض فيعطيها الاهتزاز والنضرة والنموّ الهادىء .وفي كلا الحالين ،تخضر الأرض وتنتج وتعطي البركة والحياة .وكذلك حالة الإنسان الذي ينفق ماله في سبيل الله ،فإن العطاء يمتد في حياته عند الله كما يمتد في حياة الناس بالخير والبركة وفي داخل ذاته بالجذور العميقة من الروح والإيمان .إن القرآن يعرض أمام الإنسان هاتين الصورتين المختلفتين ،ليواجه عمله من خلالهما ،فيختار أقربهما إلى البقاء والربح والثبات من خلال العقل الذي وهبه الله إيّاه ليختار به أكثرهما ربحاً في الدنيا والآخرة ،وهو الإنفاق في سبيل الله من خلال النفس الواثقة بربها وبخطها المستقيم في الحياة .والله بصير بما يعمل الإنسان ،في ما يسرّه وفي ما يعلنه ،لأنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور .