المنافقون أخطر فئة على الأمّة:
هذا هو النموذج الثالث من نماذج النّاس في مواقفهم الفكرية والعملية أمام قضية الإيمان والكفر .وقد عايش الإسلام هذا النموذج في عصره الأول ،وعانى الكثير من دسّه وتضليله ولفّه ودورانه ،مما كان يربك الحياة الإسلامية في حركة المجتمع الإسلامي الداخلية والخارجية .
وقد نلاحظونحن نواجه هذه الآيات الكريمة التي تحدّثت عن المنافقينأنَّ الحديث عنهم يأخذ مساحة واسعة في تحليل شخصياتهم ،وإبراز ملامحهم ،أكثر من المساحة التي أخذها الحديث عن الكافرين ،ولعلّ السبب في ذلك ،أنَّ قضية الكفر كقضية الإيمان ،تمثّل موقفاً حاسماً في حياة الإنسان ،باعتبارها تحديداً واضحاً للموقف إزاء ما يطرح من قضايا العقيدة والحياة ،فلا تعقيد في مواجهة الواقع ،ولا التواء في التعبير عنه .وبذلك يسهل التعرّف على المؤمنين والكافرين من خلال حركتهم في الحياة ،لكلّ من يعرف طبيعة الإيمان والكفر .
أمّا المنافقون ،فهم الذين يعيشون ازدواجية الموقف بين ما يضمرونه في داخل أنفسهم وما يظهرونه أمام النّاس ،ما يجعل من اكتشافهم ومعرفتهم عملية معقّدة ،لأنها تحتاج إلى رصدٍ دقيقٍ لأقوالهم وأفعالهم لمواجهة العوامل القلقة التي تتحرّك في سلوكهم الحياتي العام والخاص .
وقد يكون هذا هو السبب الذي جعل القرآن الكريم يواجه هذا النموذج القلق بعدّة آيات تلاحق مظاهر النفاق في كلماتهم التي يواجهون بها النّاس ،وشعاراتهم التي يطرحونها ،ومواقفهم الاجتماعية العملية والحياتية ،ليسهل على النّاس كشف واقعهم من أجل التخلص من ضررهم في الحاضر والمستقبل .
القرآن دليلنا:
ونحن عندما نريد أن نواجه هذه النماذج من النّاس من خلال الآيات القرآنية ،نشعر بالحاجة إلى ملاحقة أمثالها في حياتنا العامة ،في صراعنا المرير في قضية الكفر والإيمان ،لأنَّ قيمة القراءة القرآنية وطبيعة الوعي القرآني ،لا تتمثّل في الفهم الحرفي والتاريخي لآياته فقط ،بل في معرفتنا للجانب التطبيقي الذي يمثّل حركة الوعي القرآني في حياة النّاس المستقبلية التي تتنوّع مظاهرها وأشكالها ونماذجها في إطار وحدة القضايا الأساسية التي تبقى وتعيش في جميع المراحل ،لأننا نريد أن نتحرّك مع القرآن ،والقرآن يتحرّك مع الحياة في اتجاه الأهداف الكبيرة التي أراد اللّه من الإنسان بلوغها وتحقيقها .وهذا ما يجب أن يحكم قراءتنا للقرآن وفهمنا له ،ليكون القرآن هو المرآة الصافية التي نكتشف فيها أنفسنا وحياتنا ،انطلاقاً من آياته التي نعتبرها نوراً ورحمةً للعالمين ،ومن الأحاديث الشريفة المأثورة عن أئمة أهل البيت ( ع ) ،عندما قالوافي أكثر من حديث: إنَّ القرآن حيّ لم يمت ،وإنه يجري كما يجري الليل والنهار ،وكما يجري الشمس والقمر[ 2] .فإنَّ الحياة تتجدّد ،ولكنَّ الليل والنهار يبقيان فيحكمان حركة الحياة .كما أنَّ الكون يتجدّد ،ولكنَّ الشمس والقمر يظلان في مدد دائم للحياة بالنور والإشعاع والدفء .
نماذج على المشرحة:
] وَمِنَ النّاس مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِاللّه وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ[.هذه هي إحدى صفات المنافقين ،فهم يعلنون كلمة الإيمان وشعاره أمام النّاس ،فيسجّلون على أنفسهم الاعتراف به والالتزام بأحكامه ،ليحصلوا على ثقة النّاس بهم ،فيثق النّاس بمنطلقاتهم ،ويحسّون بالأمن إزاءهم ،ما يفسح لهم المجال الواسع للتحرّك بحرية كبيرة في مجالات الدسّ والتضليل ،ولكنَّهم لا يلتزمون بالإيمان في قناعاتهم الفكرية من خلال مؤثراتهم الذاتية المعقّدة ،فهم يعيشون ازدواجية الموقف بين الظاهر المؤمن الذي يتحرّك في دائرة العلاقات الاجتماعية بين المؤمنين ،والباطن الكافر الذي يعيش في داخل الذات وفي المجتمع الكافر .
وقد نواجه مثل هؤلاء في بعض أتباع المبادىء الكافرة ،الذين يرفعون شعار الإيمان والإسلام في كلماتهم ،مع أنَّ مبادئهم ترتكز على قاعدة الكفر والإلحاد ،بشكل مباشر أو غير مباشر ،ليحسّ المجتمع المؤمن بالأمن من ناحيتهم ،فيسهل عليهم النفاذ إلى حياته .