والصورة الثالثة هي صورة المنافقين ،الطائفة التي ظهرت في المدينة بعد الهجرة ،وبعد أن تركّز المسلمون وقويت شوكتهم ،فضعفت هذه الطائفة عن المجاهرة بالكفر والعناد .لذلك ظلوا كافرين في قلوبهم ،وإن ظهروا بين المسلمين كالمسلمين ،يقولون كلمة التوحيد ،ويصلّون كما يفعل المسلمون .
لقد ظنّوا أنهم يخادعون الله ورسوله والمؤمنين ،ومن ثمَ اتخذوا لأنفسهم وجهين .وما ابتُلي المسلمون في أي زمان ومكان بشّرِ من هذه الطائفة ،إنها تدبر المكائد ،وتروّج الأكاذيب ،وتنفث سموم الشر والفتن .وقد اهتم القرآن بالحديث عنهم ،والتحذير منهم ،حتى لا نكاد نجد سورة مدنية تخلو من ذكرهم ،بل وقد نزلت فيهم سورة كاملة سميت باسمهِم «المنافقون » .
أما هنا فقد جاء فيهم ثلاث عشرة آية تبيّنت فيها صفاتهم ،وحقيقتهم ،وخطتهم في الضلالة .
هذا شرح وتفصيل لأحوال المنافقين وخداعهم ،وهم أخبث الناس ،لأنهم ضموا إلى الكفر الاستهزاءَ والخداع والتمويه ،فنعى الله عليهم مكرهم وخداعهم بقوله ما معناه: إن بعض الناس قوم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ،يزعمون أنهم يؤمنون بالله واليوم الآخر ،وهم كاذبون .إنما يقولون ذلك نفاقاً وخوفا من المؤمنين .وهم بعملهم هذا يظنون أنهم يخادعون الله ،ظناً منهم أنه غير مطلع على خفاياهم .لكنهم في الواقع إنما يخدعون أنفسهم ،لأن ضرر عملهم لاحقٌ بهم .والله يعلم دخائل أنفسهم .