{ومن الناس من يقول ءامنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين( 8 ) يخادعون الله والذين ءامنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون( 9 ) في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون( 10 )}
تناولت الآيات وصف المنافقين ،وهو وصف ينطبق على كل منافق في كل زمان ومكان .( قال ابن جريج: المنافق يخالف قوله فعله وسره علانيته ومدخله مخرجه ومشهده مغيبه )( 26 ) .
النفاق بالمدينة:
لم يظهر النفاق بمكة لضعف المسلمين هناك ،فلما هاجر المسلمون هناك ،إلى المدينة آخى النبيصلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار ،وتوحدت دولة الإسلام حتى تم النصر في بدر ( فاضطر نفر من الكبراء أن يتظاهروا باعتناق الدين الجديد ،ومن هؤلاء عبد اله بن أبي بن سلول الذي كان قومه ينظمون له الخرز ليتوجهوه ملكا عليهم قبيل مقدم الإسلام إلى المدينة ،وقد وصفتهم سورة البقرة بالنفاق والتلون وألقت عليهم الأضواء ،وذكر المنافقون في سورة التوبة بصفات متعددة منها التخلف عن الجهاد والتظاهر بالإيمان والتخلي عن تبعاته وفرائضه ،كما ذكر المنافقون في سورة خاصة بهم تسمى سورة ( المنافقون ) ولا نكاد نجد سورة مدنية تخلو من ذكرهم ولفت الأنظار إلى أوصافهم وتحذير المؤمنين من كيدهم وخداعهم( 27 ) .
ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين .
إنهم يدعون الإيمان بالله واليوم الآخر ،وهم في الحقيقة ليسوا بمؤمنين ،إنما هم منافقون لايجرؤون على الإنكار والتصريح بحقيقة شعورهم في مواجهة المؤمنين .
وما هم بمؤمنين: أي وما هم بداخلين في عداد المؤمنين الصادقين الذين يشعرون بعظيم سلطان الله ويعلمون أنه مطلع على سرهم ونجواهم إذ هم كانوا يكتفون ببعض ظواهر العبادات ظنا منهم أن ذلك يرضى ربهم ثم هم بعد ذلك منغمسون في الشرور والمآتم من كذب وغش وخيانة وطمع ،إلى نحو دلك مما حكاه الكتاب الكريم عنهم ونقلة الرواة أجمعون( 28 ) .
ويرى صاحب المنار: أن الآيات وإن انطبقت على المنافقين في عصر الرسالة إلا أنها أبرزت عنصر النفاق في كل زمان ومكان ،وهي تتناول كل منافق في التاريخ إلى قيام الساعة( 29 ) .