القرآن يفضح أساليب اليهود:
في هذه الآيات ،يتابع القرآن الكريم حملة التعرية لتاريخ بني إسرائيل ،من أجل مواجهة اليهود المعاصرين للدعوة الإسلامية ،فهم يُعتبرون امتداداً تاريخياً وعملياً لهم ،ولهذا كان الهدف القرآني هو تعرية واقعهم الروحي والفكري والعملي ...وفي ضوء ذلك ،تتلاحق الآيات الكريمة لتشرح أساليبهم الملتوية مع النبيّ ( صلى الله عليه وسلم ) ،ولتواجههم بالموقف الذي كانوا يقفونه قبل الرسالة عندما كانوا يستفتحون على النّاس في المدينة بالنبيّ الموعود الذي ينصرهُم على الآخرين ،حتى إذا جاءت الرسالة التي اصطدموا من خلالها بالواقع ،كانوا أوّل المحاربين لها والمقاومين لتقدّمها .وجاء القرآن في أسلوب عقلاني هادىء يفضح واقعهم وينقد المبررات والحجج التي كانوا يبررون من خلالها مواقفهم المعادية للإسلام .
موقف اليهود من الأنبياء:
{ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَءَاتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُم اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} .
ما هو موقف اليهود من الأنبياء ؟إنَّ القرآن الكريم يُجمل القضية في هذه الآية التي يستعرض فيها النبوّات من لدن موسى الذي جاء وبيده كتاب اللّه ،مروراً بالرسل الذين جاءوا من بعده ،وانتهاءً بعيسى الذي أرسله اللّه ،ومعه البينات التي تثبت رسالته ونبوّته وأيّدَه بروح القدس .إنَّ الموقف الذي يحكم سلوكهم من كلّ نبيّ هو موافقته لشهواتهم وأطماعهم وأهوائهم أو عدم موافقته لذلك ،فإذا لم يحقّق لهم ما يريدون ولم يوافق على ما يشتهون ،فإنهم يستكبرون عليه بما يملكون من جاهٍ ومالٍ وقوّة ،ومن تاريخ رسالي ،ومن كتاب سماوي يتبجحون بالانتماء إليه ...ويُعبرون عن ذلك بالتكذيب تارةً لبعض الأنبياء الذين لا يستطيعون قتلهم نتيجة الظروف الموضوعية الخاصة ،مما يدخل في حساب القوّة الذاتية للنبيّ لكثرة قومه كما في قوم شعيب ،وبالقتل أخرى للأنبياء الذين لا يملكون أيّ نوعٍ من أنواع القوّة التي تمنحهم الحصانة في نظر بني إسرائيل .وكأنَّ القرآن يريد أن يعطي الموقف الذي يقفه اليهود من النبيّ محمَّد ( ص ) بُعداً تاريخياً يدخل في حساب تكوين الشخصية ،وفي العقدة المتأصلة التي يعاني منها هذا الشعب بشكل عام من الأنبياء ورسالاتهم .