{تَذْكِرَةً}: ما تُستذكر به الحاجة .
وقد وردت بعض الروايات التي تفسر الشقاء بالتعب في العبادة ،فقد جاء في تفسير القمّي بإسناده عن أبي بصير عن أبي جعفر «الباقر »( ع ) وأبي عبد الله «الصادق »( ع ) قالا: «كان رسول الله( ص ) إذا صلى قام على أصابع رجليه حتى تتورم ،فأنزل الله تعالى{طه} بلغة يا محمد{مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لِتَشْقَى *إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى} » .ورواه جماعة عن ابن عباس ،كما في الدر المنثور .إذا صحت هذه الروايات فيمكن أن يكون هذا المورد من بين موارد التعب الذي كان يعيشه النبي محمد( ص ) في مجال الممارسة ،كما هو في مجال الدعوة ،لأن سياق الآية الأخرى ،يوحي بأن المسألة المطروحة هي الجحود الذي كان يُقابَل به بالرغم من كل جهوده ومعاناته ،فجاءت الآية لتوحي إليه بأن دورك هو دور المبلِّغ الذي يدعو ليسمع الآخرون ،ويبلغ ليتذكر الغافلون .فإن مسؤوليتك لا تتجاوز هذا الموقع ،وتبقى مسؤولية الآخرين في انفعالهم بما تدعوهم إليه ،وبما تذكّرهم به ،فلماذا تتألم وتتحسر وتشقي نفسك ؟
{إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى} لأن مشكلة هؤلاء الذين يكفرون ،أو يشركون مع الله غيره في العقيدة وفي العبادة ،أنهم يعيشون الغفلة المطبقة التي تمنعهم من الانفتاح على مواقع الوعي واليقظة والتذكر ،ما يجعل الدعوة بمثابة الصدمة التي تكسر الجمود الذي تحجّر في أفكارهم ومشاعرهم ،ليعودوا إلى أنفسهم وفطرتهم التي تقف بهم في مواجهة المسؤولية أمام الله ،في ما ينذرهم به من عقابه ،فتلين قلوبهم بفعل الخشية من الله ،وتطمئن أفكارهم للفكر الذي ينطلق من قلب الوحي ،في ما تحدثت به آيات الله سبحانه من أدلة وبراهين وإيحاءات .
ولعل التعبير بالتذكرة لا يخلو من استعارة لمعنى الوعي ،باعتبار أن الغفلة تضاده ،كما هو النسيان ينافيه ،وذلك للإيحاء بأن فكر الإيمان كامن في الأعماق ،بحيث يعيشه الإنسان في وجدانه بطريقة لاشعورية من خلال الفطرة ،تماماً كما هي الحالة الشعورية للأشياء المعلومة له ،بحيث لو استثاره بطبيعته فإنه يكتشفه من أقرب طريق ،فتتحول مسألة الوعي والانتباه في العمق ،إلى ما يشبه حالة التذكر ،والله العالم .
أما مسألة التأكيد على{لِّمَن يَخْشَى} فلأن الخشية تثير في داخل الإنسان المشاعر القلقة الحائرة التي تبحث عن الأمن والطمأنينة ،والاستقرار الروحي أمام القضايا التي تثيرها الدعوة القرآنية في نفسه ،من خلال علامات الاستفهام المتحركة في وجدانه ،في هذا الموقع أو ذاك ،فيدفعه ذلك إلى التأمل العميق ،والتفكير الجاد ،في الطريق إلى الإيمان ..أما الذي لا يخشى عذاب الله ،فإنه يعيش اللامبالاة أمام كل قضايا الفكر والإيمان ،ولذلك فإن التذكير لا يحقق له أي شيء أمام الجمود الفكري المتحجر الذي يعيش في داخله .