{يَفْرُطَ}: الفرط: التقدم .والمراد به هنا أن يعجل علينا بعقوبته .
{قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ أَوْ أَن يَطْغَى} وكانت قوة فرعون وسطوته وجبروته في وعيهما ،حيث عاشاه في الواقع الظالم القاسي الذي كان يمثل الظلم كأبشع ما يكون ،والطغيان كأقسى ما يكون .ولذلك فقد كانا يخافان ألا يستمع إليهما ولا يستقبلهما ،لأنهما لا يملكان أمامه أيّ موقع اجتماعي متقدم ،يسمح لهما بمقابلته والجلوس إليه ،فكيف يتمكنان إذاً من مواجهته بالموعظة والنصح والدعوة إلى الإيمان ،وما يستلزمانه من التنازل عن امتيازاته ؟لقد كانت التجربة شبه مستحيلة ،ولهذا أعلنا خوفهما هذا أمام الله بأن يتقدم إليهما بالعقوبة ،ويطردهما ولا يسمح لهما بالحديث وإتمام الدعوة وتقديم الحجة ،أو يتجاوز الحد في ظلمه لهما أو لقومهما باللجوء إلى وسائل ضاغطة قاسية .
وربما أثار بعض المفسرين الرأي القائل إن هذه الآية لا تنسجم مع الجو الذي توحي به آية سورة القصص:{سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا} [ القصص:35] إذ أنها توحي بأن الله قد أعطاهما الأمان في مثل هذا الموقف فكيف يخافان بعد ذلك ؟والجواب أن آية القصص تمثل اختصار الموقف الذي فصلته هذه الآية على الطريقة القرآنية التي تشير إلى جزئيات الموقف في مورد ،وتهمله في مورد آخر ،وربما كان الأمر بالعكس ،بأن كانت هذه الآية تصويراً للحالة النفسية التي يعيشانها في مواجهة الموقف ،لتكون الآية الأخرى تقريراً للموقف في طبيعته ،فتكون المسألة هنا مسألة اختلاف في الأسلوب .وقد أجاب بعضهم بأن خوفهما في تلك الآية على نفسيهما ،وفي هذه الآية على الدعوة ،أو على قومهما ،وهو غير ظاهر ،لأن الظاهر أن الموقف واحد في الآيتين .والله العالم .