{النُّهَى}: جمع نُهية ،أي العقل .ويقال لأولي العقول: أولي النُّهى ،لأنهم ينهون الناس عن القبائح .
{كُلُواْ وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ} لتكون الفائدة مزدوجة في ما تتغذون به ،وفي ما تتغذى منه أنعامكم التي جعلها الله لكم غذاء ومركباً ،{إِنَّ فِي ذلِكَ لأيَاتٍ لأوْلِى النُّهَى} الذين يملكون العقول الراجحة ويستخدمونها وسيلة للتفكر في القضايا العقيدية المتصلة بخالق الكون والحياة ،التي يستدل عليها من دقة النظام ،وعظمة الخلق ،ووحدة القوانين الكونية .
وهذا هو الخط القرآني في مسألة العقيدة ،حيث يؤكد على المسألة العقلية في حياة الإنسان ،فهو يحث العقل على التفكير في القضايا المطروحة في دائرة العقيدة ،ليكون العقل هو الأساس في تكوين القناعات الدينية ،لا الانفعال العاطفي .وبذلك تتلخّص المعادلة القرآنية ،في أن الإنسان كلما ازداد عقلاً ،كلما انفتح على الإيمان من الباب الواسع ،وكلما ضعف إدراكه العقلي ،وزاد انفعاله ،كلما ابتعد عن الإيمان وعن قضاياه ،خلافاً للفكرة الشائعة التي يرددها الماديون ،وهي أن المجتمع المتخلِّف هو الذي يلتزم الطريقة الدينية في الفكر والحياة ،بينما يلتزم المجتمع المتحضر المثقّف جانب الطريقة المادية .فإن القرآن يؤكد في أسلوب المعرفة على عنصر الوجدان الذي ينفتح على إيحاءات الفطرة في العقيدة ،وعلى عنصر العقل الذي يؤكد صفاء الفكر وعمق التأمُّل في التفاصيل ،لأن القضية ليست قضية أي فكر ذي طابع ديني ،بل هي قضية الفكر الذي يثير الإيمان من خلال العقل في المبدأ والتفاصيل ،بالطريقة التي تبتعد عن السطحية والخرافة .