وهكذا ابتدأت رواسبهم الوثنية تتحرك ،فهم يرون ،لأول مرة ،بعد هذه الرحلة الطويلة مع موسى ،وثناً ينطلق في دائرتهم الاجتماعية ،وقد كانوا سألوا موسى سابقاً عندما خرجوا من البحر فشاهدوا قوماً يعكفون على أصنام لهم ،أن يجعل لهم إلهاً كما لهم آلهة ،ولكن موسى قال لهم ،{إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [ الأعراف:138] .وها هم يسقطون أمام التجربة في غياب موسى( ع ) الذي يخافونه ويخشون غضبه ،{فَقَالُواْ هَذَآ إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى} ربما قالها السامري ومساعدوه ،وربما قالها بعضهم لبعض ،{فَنَسِىَ} في حكايتهم عن موسى الذي نسي إلهه هنا ،فمضى يطلبه في الطور ،أو عن السامري الذي نسي حقيقة الوحدانية في الإله الذي هو رب كل شيء .
ويتدخل الوحي القرآني ليثير الإيحاءات التي تكشف زيف الموقف ،لفقدان الأساس العقلي الذي يرتكز عليه في ما يملكه الإله من خصائص ذاتية من قدرة التحرك ووعي الأشياء ،والتمكن من النطق على الأقل .ولكن هذا العجل لا يستطيع أن يستجيب ،ولو بالإشارة ،إلى من يدعوه ،ولا يملك لهم أيّة قدرة على النفع والضرر ،فكيف يتصورونه إلهاً لهم ولموسى بدلاً من الله الواحد الذي دعاهم موسى إليه ودلّهم عليه ،{أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً} بل هو مجرد شيء جامد لا حياة فيه ،مصنوع للإنسان ،فكيف يكون صانعاً له ؟أو أن مسألة الإله لديهم تختلف عمّا هو في الوعي الدقيق للمسألة .