{فَنَبَذْتُهَا}: فطرحتها .
{سَوَّلَتْ}: زينت .
{قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا} وتتحدث الروايات المتنوعة عن هذا الذي بصر به السامري وحده ،ولم يبصره الآخرون ،عن رؤيته جبرئيل وقد نزل الوحي على موسى ،أو رآه على فرس من الجنة أمام فرعون وجنوده حين دخلوا البحر فأغرقوا ،فأخذ قبضة من تراب أثر قدمه أو أثر حافر فرسه ،ومن خاصة هذا التراب أنه لا يلقى على شيء إلا حلت فيه الحياة ودخلت فيه الروح ،فحفظ التراب حتى إذا صنع العجل ألقى فيه من التراب فحيّ وتحرك وخار ...
ولكن دراسة هذه الروايات تجعل الباحث يشكك بوثاقتها ،لأنها تتناقض في تفاصيلها ،لا سيما أنها تتحدث عن تأثير هذا التراب في منح الحياة لكل ما يلقى عليه ،ما يجعلنا نقول أنه من الضروري ،في مثل هذه الحال ،أن تدب الحياة في المكان الذي حفظ فيه ،كما أن الظاهر القرآني لا يوحي بانبعاث الحياة والروح في العجل المصنوع ،لأن التعبير القرآني يصفه جسداً له خوار ،ما يعني جسداً خالياً من الروح ولكنه يحمل صوت العجل .ولو كانت المسألة كما تقول الروايات ،لكان من المفروض التعبير عنه بالعجل .وعلى أي حال ،فهي أخبار آحاد لا تقوم بها حجة في التفسير ،لأن حجية خبر الواحد ،في ما لم يفد القطع والاطمئنان ،لا تعني إلا ترتيب الأثر الشرعي على مضمونه ،في ما كان له أثر شرعي .أما الأمور التي تتضمن أخباراً عن قضايا كونية في السماء أو في الأرض ،أو عن أحداث تاريخية ،فلا مجال للاعتماد على الخبر الواحد فيها بنفسه ،بل يتبع القطع أو الاطمئنان ،من باب حجيتهما بعيداً عن الخبر .فلنترك الموضوع لعلم الله ،كالكثير مما أجمله القرآن ولم نصل فيه إلى يقين ،لا سيما إذا كان الأمر مما لا يتعلق به خط العقيدة في ما يجب اعتقاده ،أو خط العمل في ما يجب الالتزام به .
{وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي} فليس هناك سر خفي أدّعيه من وحي أو غيب ،بل كل ما هناك أني استسلمت لبعض رغبات النفس الأمّارة بالسوء ،في ما سولت لي بأن أثير في المجتمع أوضاعاً قلقة تربك الجو ،وتنحرف بالمسيرة ،وتقوده إلى الضلال ،تماماً كأية حالة ذاتية يتحرك الإنسان من خلالها لتلبية رغبة محمومة تسيطر عليه .