{ قال بصرت بما لم يبصروا به} ، أي فطنت لما لم يفطنوا ، فإن الإبصار يكون بالعين البصرة ، والبصر الذي هو مصدر يبصر يكون بالقلب والعقل والفكر ، وقد كان السامري فطنا يعلم صناعة التماثيل ، وكان له في ذلك مهارة فائقة كالمتخصصين في هذه الصناعة ، وقد قيل إنه صنع من قبل تمثالين من شمع أحدهما لثور ، والآخر لثورة ، ولعله صنعهما أمام موسى ليعلم موسى مقدار ما بصر به من صناعة التماثيل .
وقوله تعالى:{ فقبضت قبضة من أثر الرسول} والأثر ليس هو أثر جبريل ، ولا فرس جبريل ، ولكنه أثر معنوي ، والرسول ليس هو جبريل ، فلم يجئ ذكر لجبريل في هذا الموضوع حتى يراد بالمعرف ب"أل"، إنما الرسول الذي تكرر ذكره بالرسالة هو موسى كليم الله ، وأثر موسى كليم الله تعالى هو دعوته إلى التوحيد ، وإلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له ، فذلك هو أثر موسى وهو أثر كل رسول برسالة سماوية من الله تعالى{ فنبذتها} ، أي ألقاها في مهب الريح ، كما تلقى النواة وترمى ، واستبدل بالتوحيد الشرك والكفر ، وأن يكون على دين من يعبدوه البقر لعنهم الله تعالى ، وقد بين بعد ذلك أن هذا من هوى النفس وليس قائما على منطق من عقل ، ولذا قال:{ وكذلك سولت لي نفسي} ، أي كذلك الذي رأيتم من فتنة بني إسرائيل بهذا التضليل زينت لي نفسي ، ومعنى التسويل أنه تردد في هذا الأمر بتساؤل نفسي حتى أختار ما أختار وزينته وحسنته . كان لابد له من عقاب يكون به عبرة في الدنيا ، وعقاب الآخرة ثابت له .
ولذا ذكره موسى الكليم بعقاب في الدنيا ، وترك عقاب الآخرة لربه الأعلى .