{شِقَاقٍ}: الشقاق والمشاققة: المباينة والمخالفة .
{لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشيطان فِتْنَةً لِّلَّذِينَ في قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} من الكفر أو النفاق ،{وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ} الذين تحجّرت قلوبهم بالجهل والتخلف حتى لم تعد تنفتح على شيء من الفكر الحق ،وتجمدت مشاعرها بالغلظة والقسوة ،حتى لم تعد تنبض بالرحمة والخير ،وذلك بسبب هذه الأجواء التي تثيرها الطبيعة الإيحائية لحركة النبي في الساحة ،فهي أجواء تجعل العزّة بالإثم تأخذهم من جهةٍ ،باعتبار أقوال النبي تلك مظهر قوّة لهم لما توحي به من تنازلات لحسابهم ،أو تجعلهم يتحركون في طريق الفتنة لإضلال المؤمنين عن دينهم ،باستغلال هيمنة الأجواء الهادئة على ساحة الصراع ،لإثارة فكرة التصالح بين الشرك والتوحيد .
وقد نلاحظ أن أعداء الإسلام يستخدمون الكثير من هذه الأساليب التضليلية ،مستغلين الروحية الطيّبة الوديعة التي يتحرك فيها الدعاة إلى الله والعاملون في سبيله ،والأساليب الموضوعية التي يستخدمونها في الحوار ،وما يبدونه من انفتاح على الآخرين هدفه التغلّب على الحقد والانغلاق ،الأمر الذي يوحي لهؤلاء الآخرين ،أن هناك تنازلاً في الفكرة ،واهتزازاً في الموقف ،وتراجعاً عن خط الثورة ،وضعفاً في القوّة ..ولكن العاملين في ساحة الدعوة ينطلقون من خطة محكمة تعرف ما تريد وكيف تصل إليه ،وتبقى في عملية نقد ذاتي متحرك لمواجهة الأخطاء الطارئة ،قبل أن تتحوّل إلى انحرافات ثابتة ..
{وَإِنَّ الظالمين لفي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} وذلك في ما يثيرونه من الفوضى والخصومة والجدل ،ليربكوا به الساحة ،وليعطّلوا حركة المستضعفين في اتجاه الحق والعدل والفلاح ،وبذلك تتحول أوضاعهم إلى مواقع للشحناء والبغضاء والتفرق والتمزق الذي يمتد إلى أبعد الحدود التي تسمح بها وسائلهم وأوضاعهم وظروفهم الفكرية والعملية .