بين فكرة البعث وترسيخ الإيمان
{وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا} لا من حيث إمكانها في ذاتها ،لأن القدرة على ما يماثلها دليلٌ على القدرة عليها ،ولا من حيث وقوعها ،لأن الله هو الحق الذي يؤكد الحق في الواقع ،كما يؤكده في وحيه الذي يبلّغه لرسله ،{وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن في الْقُبُورِ} ليحاسبهم على أعمالهم ؛إن خيراً فخيرٌ ،وإن شرّاً فشرٌّ ،فذلك ما يدفع فكرة عبثية وجود الإنسان ،ويعطي للحياة معنى الحق في ما يمثله من حركة المسؤولية التي تربط النهاية بالبداية ،وتثير المسألة على أساس العناصر الثابتة التي توحي بأنها هي سرّ الوجود في التكليف وفي الجزاء .وهذا ما ينبغي للإنسان أن يستحضره في وعيه لمسألة وجوده ،فلا يرى فيه مجرّد فرصة للّهو والعبث ،بل يرى فيه تمثلاً لحركة القيم الروحية الثابتة التي توحي له بالمعاني الإنسانية كخطٍ مستقيمٍ من خطوط المصير .هذا إضافة إلى إحساسه العميق بأن الإيمان بالله ليس حالةً فكريةً مشابهة للمعادلات الرياضية ،بل هوفي طبيعتهحالة روحية تطل بالفكر على منطقة الشعور ،لتتحول إلى تجسيدٍ واقعيٍّ للعقيدة والشريعة في وعي الإنسان وحياته .
وهذا هو التأثير الذي يستهدف الإسلام أن تتركه فكرة البعث في حركة الإنسان في وجوده وفي إيمانه ،لئلا يبقى وجوده مجرد مظهر عبثي ،ولئلا يتحول الإيمان إلى فكرٍ جامدٍ لا يوحي إلا بالأفكار التجريدية التي تضيع في آفاق الخيال ولا تلتقي بحركة الواقع ،ليكونبالتاليوجهاً للوعي المنفتح على الله من موقع المسؤولية .