{فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فيها أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمُ} ،لأن المبدأ يقضي بعدم اقتحام الإنسان لبيت غيره ،حيث يحتفظ بخصوصياته الشخصية والعائلية إلا برضاه ،فإذا كان صاحب البيت موجوداً يجب انتظار رضاه ،وإذا لم يكن موجوداً يجب الانتظار حتى مجيئه لمعرفة إن كان يأذن بدخول المنزل أو لا ..
{وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُواْ فَارْجِعُواْ هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} ففي حال رفض أصحاب البيت استقبال القادمين ،لارتباطهم بموعدٍ سابقٍ ،أو لوجود عملٍ شاغل لهم ،أو لوجود مانعٍ صحيٍّ أو ذاتيّ خاص أو ما إلى ذلك من موانع ..فإن على هؤلاء القادمين أن يحترموا إرادة أصحاب البيت ،ولا يتعقدوا من هذا الرفض ،ولا يفرضوا أنفسهم عليهم ،لأن من حقهم الطبيعي الإنساني الشرعي ،أن لا يستقبلوا الناس إلا بموعد سابقٍ ،نظراً لما يعيشه الناس عادة من ظروف ضاغطةٍ في حياتهم الخاصة ،أو في علاقاتهم العامة ..وقد لا يكون هناك فرق في النتيجة بين أن يصرّحوا له بالرفض ،وبين أن يلمّحوا له ،وبين أن يرى التحفظ بادياً على وجوههم ،ما يوحي بأنهم يواجهون الإحراج الكبير في استقباله ،حياءً أو خوفاً أو نحو ذلك .
ولعل هذه القواعد الثلاثة ،تمثل البرنامج القرآني العملي في الدخول على بيوت الناس الخاصة ،فليس للإنسان أن يدخل بيت غيره إذا لم يكن صاحبه موجوداً ولم يكن هناك إذنٌ سابق له بذلك ،وعليه أن يرجع من حيث أتى إذا لم يؤذن له بدخول البيتمع وجود أهله فيهوقيل له ارجع من حيث أتيت ،أمّا إذا حصل الإذن ،فإن له أن يدخل من غير إشكال ،وبهذه القواعد يضمن الإسلام للإنسان حريته في بيته ،فلا يقتحم أحد عليه حياته دون سابق إنذار ،ما يجعله آمناً على كل أسراره وخصوصياته ،التي لا يريد أن يطّلع أحد عليها .