{قُلْ أَنزَلَهُ الذي يَعْلَمُ السِّرَّ في السَّمَوَاتِ والأرض} ويحيط بكل الأشياء التي لا يستطيع أن يحيط بها سواه ،لأنه الذي خلق الكون كله ،فهو يعلم السرّ الخفيّ الكامن فيها كما يعلم الأمور الظاهرة ،ولذلك فلا بد لكم من دراسة هذا الوحي الذي أنزل عليكم من موقع العمق والدقّة في الفهم والتحليل ،حتى تدركوا أنه لا يمكن أن يكون قول بشر ،لأن الأسرار الكامنة في حقائق القضايا والمفاهيم والتشريعات التي يتضمنها ،ليس باستطاعة الناس إدراكها .فقد يملك الناس معرفة الأمور التي تعيش في داخل تجربتهم الفردية والجماعية ،ولكنهم لا يملكون المعرفة التي تبتعد عن مواطن الحس ومواقع الفكر ،مما في آفاق السماء ،وأعماق الأرض ،لأن ذلك يحتاج إلى بعض الوسائل التي لا تتوفر لديهم إلا بعد جهدٍ كبير في زمن طويل ،فلا بد لهم من التفكير في المسألة من هذا الجانب ،من دون عقدةٍ ،ليعرفوا كيف يمكن لهم مواجهة الموقف في حركة الرفض والقبول .
{إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً} فهو لا يعامل عباده بمثل أعمالهم ،فيتركهم لأنفسهم ليضيعوا في متاهات الجهل ،وليضلوا عن طريق الصواب ،بل يغفر لهم جهلهم ،فيوحي إليهم بما يفتح لهم أبواب العلم ،لينفتحوا عليه من موقع الإيمان ،وعلى الحياة من موقع المعرفة الواعية الشاملة ،ويرحمهم بما يرسله إليهم من الرسل الذين يبلّغونهم رسالاتهم ،ويلطفون بهم في أسلوب التبليغ ،ويعلّمونهم كل ما يجهلونه ،مما يتصل بمصيرهم العملي في الدنيا والآخرة .