المفردات:
قل أنزله: رد عليهم .
يعلم السر: ما يسره أهل السماوات والأرض في نفوسهم ،والمراد: اشتماله على مغيبات وأشياء خفية ،لا يعلمها إلا عالم الأسرار ،فكيف تجعلونه أساطير الأولين .
التفسير:
6 –{قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} .
قل لهم يا محمد: الذي أنزل هذا الكتاب هو الله ،عالم الأسرار والخفايا ،والمطلع على أعمال السابقين واللاحقين ،لذلك اشتمل القرآن على أخبار لم ترد في التوراة والإنجيل ،أو وردت محرفة فصوبها القرآن ،وبين الصواب للمختلفين .
قال تعالى:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} .( النمل: 76 ) .
وقال عز شأنه:{الم *اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ} .( آل عمران: 1 – 3 ) .
فالقرآن مصدق لما سبقه من الكتب والصحف ،وهو أيضا مهيمن عليها ،يبين ويوضح ما حرف فيها وغير ،ويصوب الخطأ ،ويزيد على ما فيها ،ولو كان القرآن ناقلا عن أهل الكتاب ،ما زاد على ما عندهم ،ولا صوب أخطاءهم ،ولا قوم اعوجاجهم ،ولا بين انحرافهم .
قال تعالى:{فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ...} ( النساء: 160 ) .
وقال عز شأنه:{كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} .( آل عمران: 93 ) .
لقد سجل القرآن على اليهود تحريف التوراة ،والزيادة فيها ،والنقص منها .
قال تعالى:{أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} .( البقرة: 75 ) .
وقال عز شأنه:{وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} .( آل عمران: 78 ) .
والخلاصة: أن القرآن منزل من عند الله وحده ،وهو سبحانه حليم غفور يمهل العصاة ،ويغفر للمذنبين ،ويقبل توبة التائبين ،فتوبوا إليه حتى يقبلكم .
في أعقاب الآية:
إن المسلم يعتز بهذا الكتاب الذي نسبه الله إلى نفسه ،فقد خلا من التعارض والتضارب ،قال تعالى:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} .( النساء: 82 ) .
ولو كان محمد مستعينا بأحد من الخلق ،لسهل عليهم الاستعانة بآخرين ،ليأتوا بمثل ما أتى به محمد ،فلما عجزوا ،واستمر عجزهم مع وجود التحدي ،دل ذلك على أن القرآن ليس من صنع بشر ،بل تنزيل من حكيم حميد .
ثم إن القرآن مشتمل على الإعجاز العلمي والغيبي فقد أخبر عن أمم بائدة ،وأخبر عن أمور علمية ،تتصل بالعسل وأنه فيه شفاء ،وأهمية اللبن ،وقلة الأوكسجين في طبقات الجو العليا ،وأن الجلد مركز الإحساس ،وأن الكون مشتمل على تكامل وتجانس ونظام وإبداع .ما ترى في خلق الرحمان من تفاوت ...( الملك: 3 ) .كما تحدث القرآن عن بدء الخليقة ،وخلق السماوات والأرض ،والفضاء والجبال والهواء والإنسان ،ولم يصطدم ذلك ولا غيره بأي حقيقة علمية ،بل كلما تقدم العلم ،جاء بما يؤكد صدق هذا الكتاب ،وصدق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ،قال تعالى:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ...} ( فصلت: 53 ) .
فالله هو المطلع وحده على هذا الكون وما فيه من أسرار وخفايا ،وهو وحده الغفور الرحيم ،قال تعالى:{قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} .