مطاعن المشركين في محمد صلى الله عليه وسلم
التفسير:
7 –{وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} .
تشير كتب السيرة والتفسير ،مثل تفاسير الألوسي والقرطبي والطبري وغيرها ،عن ابن عباس أن عتبة وشيبة ابني ربيعة ،وأبا سفيان بن حرب ،والنضر بن الحارث وغيرهم من وجوه قريش ،اجتمعوا وأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ،فعرضوا عليه الملك أو الرئاسة أو السيادة أو ما يشاء نظير أن يترك دعوته ،فأخبرهم أنه لا يريد شيئا من ذلك ،ولكن الله بعثه رسولا ،وأنزل عليه كتابا ،وأمره الله أن يدعوهم إلى الإيمان بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر ،وأن يبشرهم بالجنة إن أطاعوا ،وينذرهم بالنار إن عصوا .
فقالوا: يا محمد ،إن كنت غير قابل شيئا مما عرضناه عليك ،فسل لنفسك ،سل ربك أن يبعث معك ملكا يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك ،وسله أن يجعل لك جنانا وقصورا من ذهب وفضة تغنيك عما تبتغي ،فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه ،حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك ،إن كنت رسولا كما تزعم ،فقال صلى الله عليه وسلم: ما أنا بفاعل ،ما أنا بالذي يسأل ربه هذا ،وما بعثت إليكم بهذا ،ولكن الله بعثني بشيرا ونذيرا ) .فأنزل الله تعالى:{وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ ...}
وهذه الآيات بما فيها من مطالب مادية ،تكررت في القرآن الكريم ،وتشير إلى تعنت المشركين ،واستكثارهم أن يشاهدوا رجلا مثلهم ،يأكل كما يأكلون ويشرب كما يشربون ،ويمشي في الأسواق ويتكسب للمعاش ،ثم ينزل عليه وحي السماء ،استكثروا هذا وما علموا أنها إرادة الله في أن يكون الرسول بشرا يعيش كما يعيش الناس ،ويتعرض لطلب الطعام ،والمشي في الأسواق ،وتكسب المال ،ثم ينهض بواجب الدعوة إلى الله في مكة ،متعرضا لصنوف الاضطهاد والعذاب ،ثم يرحل إلى المدينة ويؤسس دولة الإسلام ،ويقود غزوات ناجحة ،وتأتيه الغنائم فيوزعها ،ويفضل أن يعيش كما تعيش جماهير الأمة ،رسولا عبدا وليس نبيا ملكا ،حتى تتحقق فيه القدوة والأسوة ،ويقتدي به الفقراء والأغنياء وسائر الخلق أجمعين .
{وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} .
أي: قال المشركون: أي سبب جعل هذا الذي يزعم أنه رسول يأكل الطعام كما نأكل ،ويمشي في الأسواق ساعيا على رزقه كما نسعى ،فلو كان رسولا من عند ربه لميزه علينا ،فهلا ميزه بأن ينزل عليه ملك ينذر المكذبين به ،ليجعلنا مطمئنين إلى إرساله إلينا .