{وَقَالُواْ أساطير الأولين اكْتَتَبَهَا} ولو بواسطة تكليفه الذين يحسنون الكتابة ،أو بمعنى استكتبهاكما قيلوذلك من خلال منافاة الكتابة للأمية في شخصيته .والأسطورة هي الخبر المكتوب ،ويغلب استعماله في الأخبار الخرافية .ولكن ،هل كانوا يتحدثون عن الطبيعة الخرافية للقصص والأخبار التي جاء بها القرآن ،أو كانوا يتحدثون عن الأخبار في مضمونها الذاتي البعيد عن التقييم النقدي ؟
ربما كانت المسألة تندرج في الجانب الأوّل من السؤال ،لأن القرآن حدثنا عن الذهنية الجاهلية التي كانت تستبعد فكرة البعث والنشور والجنة والنار ،ما قد يجعل الحديث عن ذلكلديهمحديثاً عن فكرةٍ خرافية ،وربما كان الهاجس لديهم هو التنديد بفكرة الوحي الذي تختزنه النبوّة في دعوى النبي ،ما يجعل البحث عندهم متصلاً بالجهة التي أملت عليه حديثه ،ليؤكدوا بشريتها ،لا ألوهيتها .وهذا ما يخطر في البال عند القراءة التأمليّة للآية التي ركزت التأكيد على أن هذه الأحاديث ليست وحي الله ،بل هي أحاديث الأولين ،التي هي عبارة عن قصص الأولين في تاريخ الأنبياء وأممهم ،مما كان أهل الكتاب يعلمونه ولم يكنفي وعيهممرفوضاً في ذاته من الناحية الخرافية ،لا سيّما إذا عرفنا أن التفكير الخرافي لم يكن بعيداً عن ذهنهم باعتباره تفكيراً عقلانياً قريباً من الحقيقة ،أو متطابقاً معها .
{فهي تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} من هؤلاء الذين يملكون المعرفة ويلقونها إلى الناس ليحفظوها ويعوها ،وإلى الكتَّاب ليكتبوها .وبذلك يكون المصدر الأصيل للمعرفة عنده بشرياً ،تماماً كما هو الحال لدى الآخرين ممن يملكون الثقافة من التعلم عند أهلها من أهل الكتاب وغيرهم ،في الغداة والعشي ،في ما يعنيه ذلك من الكناية عن التكرار في الوقت ،أي وقتاً بعد وقت .