تتناول الآية التالية لوناً آخر من التحليلات المنحرفة والحجج الواهية للمشركين فيما يتعلق بالقرآن ،فتقول: ( وقالوا أساطير الأولين اكتتبها ) .
لا شيء عنده من قبل نفسه ،لا علم ولا ابتكار ،فكيف له بالنّبوة والوحي !إنّه استعان بآخرين ،فجمع عدّة من الأساطير القديمة ،وأطلق عليها اسم الوحي والكتاب السماوي .وهو يستلهمها من الآخرين طيلة اليوم من أجل الوصول إلى هذا الهدف ( فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ) .
إنّه يتلقى المعونة لأجل هدفه في الأوقات التي يقلُّ فيها تواجد الناس ،أي بكرة وعشياً .
هذا الكلامفي الحقيقةتفسير وتوضيح للاتهامات التي نقلت عنهم في الآية السابقة .إنّهم في هذه الجملة القصيرة أرادوا أن يفرضوا على القرآن مجموعة من نقاط الضعف:
أوّلها: أن ليس في القرآن موضوع جديد مطلقاً ،بل مجموعة من الأساطير القديمة .
و الثّانية: أنَّ نبي الإِسلام لا يستطيع الاستمرار بدعوتهحتى يوماً واحداًبدون مساعدة الآخرين ،فلابدّ أن يُملوا الموضوعات عليه بكرة وعشياً ،وعليه أن يكتبها .
والأُخرى: أنّه يعرف القراءة والكتابة .فإذا قال: إنّني أمي ،فهي دعوى كاذبة .
إنّهمفي الواقعكانوا يريدون أن يفرقوا الناس عن النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) بواسطة هذه الأكاذيب والاتهامات ،في الوقت الذي يعلم كل العقلاء الذين عاشوا مدّة في ذلك المجتمع ،أنّ النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يكن قد درس عند أحد ،مضافاً إلى أنّه لم تكن له أية رابطة مع جماعة اليهود وأهل الكتاب .وإذا كان يستلهم من الآخرين كل يوم بكرة وعشياً ،فكيف أمكن أن يخفى على أحد ؟فضلا عن هذا ،فإن آيات القرآن كانت تنزل عليه في السفر والحضر ،بين الناس ومنفرداً ،وفي كل حال .
مضافاً إلى كل هذا ،كان القرآن مجموعة من التعليمات الاعتقادية ،والأحكام العملية ،والقوانين ،ومجموعة من قصص الأنبياء ،ولم تكن قصص الأنبياء لتشكل كل القرآن ،مضافاً إلى أنّ ما ورد من قصص الأقوام الأولين في القرآن لم يكن له شبه لما جاء في العهدين ( التوراة والإِنجيل ) المحرفين ،وأساطير العرب الخرافية ،لذلك لأنّ ما في العهدين مليء بالخرافات ،والقرآن منزّه عنها ،ولو وضعنا القرآن والعهدين جنباً إلى جنب ،وقايسنا بينهما ،فسوف تتجلى حقيقة الأمر جيداً{[2820]} .