الآية التاليةتتناول تحليلات الكفارأو حججهم على الأصحفي مقابل دعوة النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) ،فتقول: ( وقال الذين كفروا إن هذا إلاّ إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون ) .
في الواقع ،إنّهم من أجل أن يلقوا عن عواتقهم مسؤولية تحمل الحقشأن كل الذين أصروا على معارضة القادة الربانيين على طول التاريخاتهموا الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم أوّلا بالافتراء والكذب ،خاصّة وأنّهم قد استخدموا لفظة «هذا » ليحقروا القرآن .
ثمّ من أجل أن يثبتوا أنّه غير قادر على الإِتيان بمثل هذا الكلاملأنّ الإِتيان بمثل هذا الكلام المبين مهما يكن بحاجة إلى قدرة علمية وافرة ،وما كانوا يريدون التسليم بهذاومن أجل أن يقولوا أيضاً: إنّ هذا خطّة مدبرة ومحسوبة ،قالوا: إنّه لم يكن وحده في هذا العمل ،بل أعانه قوم آخرون ،وهذه مؤامرة بالتأكيد ،ويجب الوقوف بوجهها .
بعض المفسّرين قالوا: إنّ المقصود ب ( قوم آخرون ) جماعة من اليهود .
وقال آخرون: إنّ المقصود بذلك ثلاثة نفر كانوا من أهل الكتاب ،وهم: «عداس » و «يسار » و «حبر » أو «جبر » .
على أية حالبما أنّ هذه المواضيع لم يكن لها وجود في أوساط مشركي مكّة ،وإنّ قسماً منها مثل قصص الأنبياء الأولين كان عند اليهود وأهل الكتابفقد كان المشركون مضطرين إلى نسبة هذه المطالب إلى أهل الكتاب كي يخمدوا موجة إعجاب الناس من سماع هذه الآيات .
لكن القرآن يردُّ عليهم في جملة واحدة فقط ،تلك هي: ( فقد جاؤوا ظلماً وزوراً ){[2819]} .
«الظلم » هنا لأنّ رجلا أميناً طاهراً وصادقاً مثل الرّسول الأكرم( صلى الله عليه وآله وسلم ) اتّهموه بالكذب والافتراء على الله ،وبالاشتراك مع جماعة من أهل الكتاب .فظلموا أنفسهم والناس أيضاً .
و «الزور » هنا أن قولهم لم يكن له أساس مطلقاً ،لأنّ النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) دعاهم عدّة مرات إلى الإِتيان بسورة وآيات مثل القرآن ،فعجزوا وضعفوا أمام هذا التحدي .
وهذا بالذات يدل على أن هذه الآيات ليست من صنع عقل البشر ،لأنّ الأمر لو كان كذلك ،لكانوا يستطيعون بمعونة جماعة اليهود وأهل الكتاب أن يأتوا بمثلها .ومن هنا فإنّ عجزهم دليل على كذبهم ،وكذبهم دليل على ظلمهم .
لهذا فالجملة ،القصيرة ( فقد جاؤوا ظلماً وزوراً ) رد بليغ وداحض في مواجهة ادعاءاتهم الواهية .
كلمة «زور » في الأصل من «زَور » ( على وزن غور ) أخذت بمعنى: أعلى الصدر ،ثمّ أطلقت على كل شيء يتمايل عن حدّ الوسط ،وبما أن «الكذب » انحرف عن الحق ،ومال إلى الباطل ،فقد ،سمّوه «زوراً » .