قوله تعالى:{وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا ( 4 ) وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ( 5 ) قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما ( 6 )} المراد بالذين كفروا النضر بن الحارث .هذا الشقي الكفور الذي كان يتصدى لرسول الله ( ص ) وقرآنه المجيد ،بما كان يثيره من الأقاويل والأباطيل والافتراءات .فقد كان النضر بن الحارث وأتباعه من المعاندين يختلقون الأكاذيب عن نبي الله ليثنوا عنه العرب ،وليثيروا في نفوسهم الريبة فيما أنزل الله إليه من الآيات .فكانوا يقولون ( إن هذا إلا إفك افتراه ) والإفك ،أسوأ الكذب ؛أي ما هذا القرآن إلا أكاذيب اختلقها محمد من عنده !!
قوله: ( وأعانه عليه قوم آخرون ) أي استعان محمد ( ص ) على الإتيان بهذا القرآن بقوم آخرين من اليهود علموه أخبار السابقين . وقيل: المراد بقوم آخرين بعض الموالي والمستضعفين من غير العرب مثل عدّاس ،مولى حويطب بن عبد العزى وغيره من الكتابيين الذين كانوا يقرأون التوراة ثم أسلموا .
قوله: ( فقد جاءوا ظلما وزورا ) الضمير يرجع إلى الذين كفروا ،هؤلاء الطغاة المعاندون الأشقياء الذين يهرفون بالباطل والكذب مما ليس لهم فيه أدنى برهان ،إنه افتراء واختلاق وزور تتقيؤه حناجر المجرمين التاعسين الضالعين في التعس والرجس ،كالنضر وأمثاله من الشياطين في كل زمان .وهم يعلمون أنهم مبطلون كاذبون .فقال سبحانه في دفع مقالتهم: ( فقد جاءوا ظلما وزورا ) ذلك تنديد من الله بالغ بمقالة هؤلاء الأفاكين ،ودفع لما قالوه وافتروه بأنه ظلم وزور .أما الظلم: فهو وضع الشيء في غير موضعه ؛فقد جعلوا العربي يتلقن من العجمي كلاما فذا بالغ الفصاحة ،نكص دونه العلماء والعظماء من العرب ؛فأنى للأعاجم أن يصنعوا مثله ؟.
وأما الزور: فقد بهتوا رسول الله ( ص ) بما ليس فيه وهم يعلمون أن محمدا ( ص ) كان في غاية الصدق والأمانة والبراءة والرحمة والبر ؛فقد لبث فيهم أربعين سنة قبل بعثه حتى سموه لفرط صدقه وبره واستقامته: الأمين .