{وَقَالُواْ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فهي تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ في السَّمَاواتِ وَالأرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً} .
ذكر جلَّ وعلا في الأولى من هاتين الآيتين أن الكفّار ،قالوا: إن هذا القرآن{أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ} ،أي: مما كتبه ،وسطره الأوّلون كأحاديث رستم واسفنديار ،وأن النبيّ صلى الله عليه وسلم جمعه ،وأخذه من تلك الأساطير ،وأنه اكتتب تلك الأساطير ،قال الزمخشري: أي كتبها لنفسه وأخذها ،كما تقول: استكب الماء واصطبّه إذا سكبه وصبّه لنفسه وأخذه ،وقوله:{فَهِىَ تُمْلَى عَلَيْهِ} ،أي: تلقى إليه ،وتقرأ عليه عند إرادته كتابتها ليكتبها ،والإملاء إلقاء الكلام على الكاتب ليكتبه ،والهمزة مبدّلة من اللام تخفيفًا ،والأصل في الإملاء الإملال باللام ،ومنه قوله تعالى:{فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} [ البقرة: 282] الآية .
وقوله:{بُكْرَةً وَأَصِيلاً} ،البكرة: أوّل النهار ،والأصيل: آخره .
وما ذكره جلَّ وعلا في هذه الآية من أن الكفّار ،قالوا: إن القرآن أساطير الأوّلين ،وأن النبيّ صلى الله عليه وسلم تعلمه من غيره ،وكتبه جاء موضحًا في آيات متعدّدة ؛كقوله تعالى:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ} [ الأنفال: 31] .
وقد ذكرنا آنفًا الآيات الدالَّة على أنهم افتروا عليه أنه تعلّم القرآن من غيره ،وأوضحنا تعنّتهم ،وكذبهم في ذلك في سورة «النحل » ،ودلالة الآيات على ذلك في الكلام على قوله تعالى:{لّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِىٌّ} [ النحل: 103] الآية ،فأغنى ذلك عن إعادته هنا .
ومن الآية الدالَّة على كذبهم في قوله:{اكْتَتَبَهَا فهي تُمْلَى عَلَيْهِ} ،قوله تعالى:{وَمَا كُنْتَ تَتْلُواْ مِنْهُ قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [ العنكبوت: 48] ،وقوله تعالى:{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِىَّ الأمّىَّ} ،إلى قوله تعالى:{فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمّي} [ الأعراف: 157-158] الآية ،والأُمّي هو الذي لا يقرأ ولا يكتب .