وهنا كانت المفاجأة التي لم يحسب لها حساباً ،فقد كان يفكر أنه سيجد ناراً عادية كبقية أنواع النار المعروفة ،ولكنه وجد ناراً مقدّسة تختلف عما رآه ،فليس هناك إنسان إلى جانب النار يلقي فيها الحطب ،ليستمر اشتعالها بشكل عاديٍّ ،ولكنها تشتعل وتشتعل
{فَلَمَّا جَآءهَا نُوديَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وها هو يسمع كلاماً ولا يرى شخصاً ،ويستمع بذهول واستغراب ،إعلاناً بالبركة التي تمثل امتداد الخير في الحياة ،ولكن من هو المبارك الذي ينفع الناس بمواقع الخير لديه ،{بُورِكَ مَن فِي النَّارِ} فهل هو الله باعتبار قدرته التي أوقدتها على أساس أن صاحب القدرة موجود من ناحية معنويةٍ ،في مظاهر قدرته ،كما هو السلطان متمثل في مواقع سلطته ؟
وهناك وجوهٌ أخرى تقول: إنهم الملائكة الحاضرون فيها ،ومن حولها أي موسى ،أو أنه موسى وبمن حولها أي الملائكة ،أو نور الله وبمن حولها موسى ،وغير ذلك مما لا دليل عليه .ويمكن أن تكون الكلمتان تعبيراً عن الله ،باعتبار أنه محيطٌ بالأشياء ومهيمنٌ عليها في عمقها وسعتها ،فهو في الداخل في عمق القدرة ،وحولها في امتدادها في حدود الأشياء ،لأن السياق يوحي بأن المراد توجيه موسى إلى الله في مظهر قدرته بشكلٍ غامضٍ يوحي به ولا يُعلن عنه ،ليكون ذلك مقدمةً للإعلان عنه بطريقة واضحةٍ .