{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} فاتخذت الترف قيمةً اجتماعية ،يتفاضل الناس بها ،وتحركت في ألوان البطر كأسلوب من أساليب انتفاخ الشخصية بين أفرادها ،وامتد الأمر بهم حتى خُيِّل إليهم أن الحياة قد استسلمت لهم بكل لذائذها وشهواتها ،وأنها باقية لهم في ما يستقبلونه من الزمن في رحاب الخلود ،في غفلةٍ من وعي القلب والفكر لحقائق الحياة والإيمان ؛فماذا حدث لهم ؟
{فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً} فقد تركوها جميعاً ،وسيطر عليها الخراب والدمار ،ولم تتماسك من بعدهم إلا زماناً قليلاً ،ثم تساقطت على عروشها ،وأحاط بها الموت من كل مكان .
{وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} الذين نرث الأرض وما عليها ،لأننا المالكون للحياة ولمن يتحرك فيها ،وكل الخلق مملوكون لنا ،ونحن الباقون ،والآخرون من عبادنا يسقطون تباعاً في امتداد الموت في أجسادهم ومساكنهم ،وكل ما يتعلق بعلاقتهم في الدنيا ؛ونحن الذين نرث الكون كله ،فلا يبقى إلا الله .وإذا كانت القضية هي هذه النهاية ،فما هي القيمة في كل هذا البطر الذي تتقلبون فيه ،وهذه النعم المادية التي تستغرقون في لذائذها وشهواتها ؟وما هو جانب الخلود فيها ؟فإذا لم تبق القرى التي طغت في معيشتها في أجواء البطر ،فهل يبقى لكم ما أنتم فيه ،وهل تبقونأنتمفي ما تتمنون من الخلود ؟فكيف تفضلون القيمة الفانية ،التي هي المادة ،على القيمة الباقية التي هي رسالة الإيمان ؟