{وَأَوْحَيْنَآ إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} وحملت به أمه كما تحمل كل أم بولدها ،بشكل طبيعيّ ،لا تشعر معه بوضعٌ غير عادي ،كما لم يشعر أحد من حولها بذلك ،ووضعته كما يوضع غيره من الأولاد ،وكان الخوف عليه كبيراً ،لأن فرعون كان يأمر بذبح الذكور من بني إسرائيل .
وجاء الوحي من الله ،بالإلهام القلبيّ الذي يعيش فيه الإنسان في لحظات الصفاء الروحي ،في ما يحدّث الإنسان به نفسه عند الوقوع في مشكلةٍ صعبةٍ تحاصر وجدانه ولا يجد لها حلاً ،مما يحيط به من الأوضاع ،كما هو الحال مع أم موسى التي كانت لا تجد مكاناً تخبىء فيه ولدها ،لأن العيون تحيط بها من كل جانب حتى أصبحت في حالةٍ من الذهول الذي أربكها ولم تعرف معه أن عليها أن ترضع وليدها حتى لا يموت من الجوع .وكانت الفكرة الإلهية تلمع في وجدانها ،كمثل إشراقة النور{أَنْ أَرْضِعِيه} حتى يشبع ،ليكون ذلك زاداً له يحفظ به حياته في هذه الرحلة الخفية ،{فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ} من جنود فرعون أن يأخذوه ويقتلوه ولم تجدي مكاناً تضعينه فيه بمأمن عن عيونهم ،{فَأَلْقِيهِ فِى اليَمِّ} وهو البحر ،أو النهر ،في زورق صغير{وَلاَ تَخَافِي} عليه من الغرق ،{وَلاَ تَحْزَنِي} على فراقه .
وكانت تستغرق في هذه الفكرة ،تماماً كما لو كانت تستمع إلى شخص يكلمها من داخل شخصيتها ،وتتلقى منه التعليمات في صورة الخطة المرسومة التي تجعلها تشعر بالأمن والطمأنينة .{إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ} في وقت قصير ،في وضح النهار ،بحيث لا مجال لأيّ خوف ولأيّ خطر عندما تصل الخطة إلى غايتها ،{وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} الذين يجعلهم الله في المواقع الروحية والفكرية العليا تمهيداً لمنحهم شرف تبليغ الرسالة .وربما كانت هذه الفقرة مما ألهم الله به أمّ موسى ليعرِّفها خطورة موقعها الكبير في ساحة الرسالات ،وربما كانت مما اقتضاه حديث النهايات العظيمة التي اقتضاها لطف الله في شأن موسى .ولعل هذا هو الأقرب ،لأن ذلك لم يكن معلوماً في حياة موسى في مراحلها الأولى في ما حكاه الله لنا من قصته في القرآن بأساليبها المتعددة المتنوعة الخصائص .